Page 58 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021

‫العـدد ‪27‬‬ ‫‪56‬‬

‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

‫دينا نبيل‬

‫توظيف الجنس في صراع الهويات‬

‫رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» أنموذ ًجا‬

‫وأخي ًرا‪ ،‬إن موضوعة الجنس تظهر بجلاء في رواية «موسم الهجرة‬
‫إلى الشمال» للكاتب الطيب صالح‪ ،‬ولكن يف ِّعلها الكاتب بغية مكاشفة‬
‫أزمة الهويات‪ .‬يو ِّظف الكاتب تلك الموضوعة ليسلط الضوء على أزمة‬
‫الهوية بين الشرق‪ /‬الجنوب والغرب‪ /‬الشمال عبر استعراض الانتهاك‬
‫والاغتصاب الجنسي من قبل الجنوب للشمال‪ ،‬وكذلك يعرض أزمة‬
‫الهوية لدى الشرق نفسه وفهمه لشخصيته عبر استعراض انتهاكه لذاته‬
‫من خلال شخصية المرأة‪.‬‬

‫فيه‪.‬‬ ‫لا يخفى على القارئ أ ّن موضوعة الجنس هي‬
‫تطرح الرواية موضوعة الجنس في أجواء أقرب‬
‫إلى العنف والسادية؛ بحيث تضع المرأة في موضع‬ ‫إحدى التابوهات الشائكة التي تمثل للبعض خ ًّطا‬
‫الأداة الجنسية لتحقيق الإمتاع للرجل‪ ،‬وأحيا ًنا‬ ‫أحمر في مناقشة أي عمل روائي‪ ،‬لكن ذلك التشنج‬
‫لتشفي لديه غريزة الانتقام‪ .‬وعليه‪ ،‬فإنه لا يمكن‬
‫التسليم بأي حال من الأحوال بأن العلاقة بين‬ ‫ومواجهة الموضوع بالرفض التام ربما ينبئ عن‬
‫الرجل والمرأة في هذه الرواية تقع داخل هذين‬ ‫عدم النضج في تناول هكذا موضوعات‪ ،‬إذ إن ذلك‬
‫الإطارين فقط ‪-‬الإمتاع والانتقام‪ -‬وتمثيل تلك‬ ‫التابو يمثّل أحد مظاهر الحياة الإنسانية؛ لذا فمن‬
‫العلاقة جنسيًّا دون الوقوف على دلالة ذلك التمثيل‪.‬‬
‫تطرح الرواية في مجملها مبدأ السلطة؛ فمن بيده‬ ‫الطبيعي أن يتب ّدى في أي عمل إبداعي معب ًرا عن‬
‫السلطة والقوة يتمكن من إخضاع الآخر والسيطرة‬ ‫ذات صاحبها‪ ،‬شريطة أن يكون وسيلة تعبيرية‬
‫وليست غاية‪ .‬ومن الجدير بالذكر أنه يرجع توظيف‬
‫عليه‪ ،‬وهذا يتم عبر ذلك السجال أو بالأحرى‬ ‫الجنس في الرواية العربية إلى أسباب ع ّدة َمر ّد‬
‫التقاتل في الفراش‪ .‬فبحسب «فوكو» تستلزم القوة‬ ‫أغلبها إلى مرجعيات ثقافية واجتماعية وسياسية‪.‬‬
‫وجود مبدأ الازدواجية‪ ،‬وهو الـ»علاقة بين فردين‬ ‫ويتج ّل ذلك التوظيف في أشد الموضوعات جدية‪،‬‬

‫‪[ ..‬حيث] يمكن لأحدهما توجيه أو تحديد سلوك‬ ‫مثل الربط بينه وموضوعة الهوية‪ ،‬أي إدراك‬
‫الآخر‪ .‬سواء طواعية من خلال عدد من الأهداف»‬ ‫الإنسان ذاته داخل أُطر اجتماعية وثقافية بعينها‪.‬‬
‫(سياسات السلطة ‪ ،)155‬أو غصبًا‪ .‬فأحد الأبعاد‬
‫والقارئ لرواية «موسم الهجرة إلى الشمال»‬
‫الرئيسة للخطاب السلطوي هو وجود المتبوع‬ ‫(‪ )1966‬للكاتب السوداني الطيب صالح يجد في‬
‫والذي بالضرورة يستلزم وجود التابع‪ ،‬ذلك الذي‬ ‫غير ما موضع من الرواية كثي ًرا من التلميحات‬
‫وأحيا ًنا الإفصاحات الجنسية التي تستلزم قراءة‬
‫دلالتها عبر الإطار الثقافي والاجتماعي الذي ُكتبت‬