Page 205 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 205

‫‪203‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

    ‫فهذه الأيديولوجيا السائدة ما‬       ‫الجدلي المناقض للمنهج المثالي‬     ‫فالذهنية العربية ‪-‬لدى أدونيس‪-‬‬
    ‫هي إلا استعادة للأيديولوجية‬     ‫عند أدونيس‪ .‬وسوف نعرض لما‬                ‫منقسمة على ذاتها إلى اثنتين‪:‬‬
                                   ‫فعله س َّلم بعد أن نعرض الموقف‬            ‫ذهنية اتباعية وذهنية إبداعية‪.‬‬
      ‫الاستغلالية الماضية‪ ،‬وليس‬     ‫الذي تبناه أدونيس وحدد مادته‬               ‫والحياة العربية تسودها أو‬
      ‫التحول السياسي الظاهري‬
    ‫أكثر من إزاحة للطبقة القديمة‬                 ‫وطريقة معالجتها‪.‬‬         ‫توجهها أربع خصائص أساسية‪:‬‬
  ‫المستغلة من أجل أن تحل محلها‬     ‫ولموقف أدونيس جانبان‪ :‬أدونيس‬               ‫اللاهوتية‪ .‬الماضوية‪ .‬الفصل‬
  ‫طبقة جديدة مماثلة‪ ،‬لا من أجل‬
 ‫تحرير الطبقة المستغلة»‪( .‬صدمة‬            ‫الباحث وأدونيس الشاعر‪.‬‬          ‫بين المعنى والكلام‪ .‬التناقض مع‬
   ‫الحداثة‪ /‬ج‪ 3‬ص‪)240 /239‬‬              ‫أما أدونيس الباحث أو المفكر‬         ‫الحداثة‪ .‬وتمثل هذه الخصائص‬
  ‫فعودة أدونيس الطليعي للتراث‬       ‫الطليعي‪ ،‬فيرى أن الواقع العربي‬          ‫نتائج الدراسة التي انتهى إليها‬
   ‫عودة مشروطة بنقده وتأويله‬         ‫الاجتماعي والسياسي والثقافي‬           ‫أدونيس الذي رتب عليها حكمه‬
   ‫وتوظيفه من أجل إدانة الثقافة‬        ‫تسوده ثقافتان‪ :‬إحداهما هي‬          ‫القاطع قائ ًل‪« :‬إن الثقافة العربية‬
    ‫السائدة ومؤسساتها‪ ،‬وإقرار‬            ‫الثقافة السائدة التي ترسخ‬       ‫بشكلها الموروث السائد ذات مبنى‬
     ‫ثقافة الرفض التي يرى أنها‬                                              ‫ديني‪ ،‬أعني أنها ثقافة اتباعية‪،‬‬
  ‫خروج على كل مقاييس الاتباع‪.‬‬              ‫للماضي بما فيه من قهر‬
   ‫وبما أن الأصل الثقافي العربي‬        ‫واستغلال وتبعية وإعلاء من‬             ‫لا تؤكد الاتباع وحسب وإنما‬
    ‫ليس واح ًدا‪ ،‬فيجب البحث عن‬      ‫شأن الاتباع على حساب الإبداع‬           ‫ترفض الإبداع وتدينه‪ .‬فإن هذه‬
 ‫تنوعه وتعدده في ضوء جدل هذا‬         ‫ومعاداة كل جديد‪ .‬والثانية هي‬        ‫الثقافة تحول بهذا الشكل الموروث‬
    ‫التنوع وما يتضمنه من بذور‬       ‫الثقافة المسودة التي تناضل من‬
   ‫الرفض والقبول‪ .‬وهذا ما فعله‬       ‫أجل الحرية والمساواة وترسيخ‬             ‫السائد دون أي تقدم حقيقي‪.‬‬
    ‫أدونيس حين اختصر التراث‬         ‫قيم الإبداع ورفض الاتباع‪ .‬وقد‬           ‫لا يمكن بتعبير آخر أن تنهض‬
     ‫العربي كله في جانبه الثقافي‪،‬‬    ‫تبنت مؤسسات المجتمع العربي‬              ‫الحياة العربية ويبدع الإنسان‬
      ‫وحين عزل الثقافة كلها عن‬         ‫هذا اللون من الثقافة السائدة‬
 ‫مصادرها الاجتماعية والسياسية‬          ‫ورسخته‪ ،‬وراحت إلى التراث‬                 ‫العربي‪ ،‬إذا لم تنهدم البنية‬
    ‫والاقتصادية‪ ،‬وحين رأى هذه‬        ‫باعتباره امتدا ًدا لثقافة الاتباع‪،‬‬    ‫التقليدية للذهن العربي‪ ،‬وتتغير‬
 ‫الثقافة محصورة في جانبين هما‬       ‫لتوطد مراكزها وتدعم مقولاتها‪،‬‬          ‫كيفية النظر والفهم التي وجهت‬
    ‫الثبات والمتحول اللذين ردهما‬        ‫وسبيلها إلى ذلك هو الانتقاء‬       ‫الذهن العربي وما زالت توجهه»‪.‬‬
  ‫إلى الدين واللغة‪ .‬فالماضي عنده‬     ‫والتأويل‪ .‬وقد وعى أنصار كل‬
‫مصوغ على الصورة التي صاغها‬           ‫ثقافة ضرورة التراث في تدعيم‬                         ‫(المرجع السابق)‬
   ‫للحاضر المنقسم قسمة ثنائية‪.‬‬         ‫مواقفهما‪ ،‬فعاد كل منهما إليه‬           ‫هذا الحكم ليس إدانة للثقافة‬
 ‫أما أدونيس الشاعر فيمثل حركة‬                                                ‫العربية في زمنها القديم أو في‬
    ‫طليعية شعرية ونقدية تسعي‬             ‫وهو مهموم بقضاياه التي‬            ‫مرحلة من مراحلها‪ ،‬ولكنه حك ٌم‬
       ‫لترسيخ أشكال جديدة من‬                       ‫يفرضها الواقع‪.‬‬            ‫ممت ٌّد عبر أزمانها‪ ،‬ويدعو كل‬
 ‫الإبداع‪ ،‬ولغة جديدة مغايرة للغة‬                                            ‫معني بها إلى إعادة النظر فيما‬
 ‫الشعر السائدة في الشعر العربي‬     ‫يقول أدونيس إن الثقافة السائدة‬        ‫توصل إليه أدونيس من نتائج وما‬
    ‫الكلاسيكي أو الرومانسي‪ ،‬أو‬      ‫«جزء من الأيديولوجيا السائدة‪.‬‬        ‫رتب عليها من أحكام‪ ،‬كما يدعونا‬
    ‫الشعر الجديد كما رأيناه عند‬                                               ‫إلى التفتيش عن الموقف الذي‬
    ‫رواده من الشعراء البياتي أو‬        ‫هذه الأيديولوجيا المتحققة في‬        ‫تبناه أدونيس من قضايا واقعه‬
‫السياب أو عبد الصبور وحجازي‪.‬‬             ‫مؤسسات المجتمع العربي‪،‬‬             ‫الحاضر وحدد رؤيته ومنهجه‬
                                                                           ‫في تناول التراث العربي بوصفه‬
                                     ‫المجسدة في ممارسات الأجهزة‬              ‫ك ًّل معرفيًّا واح ًدا غير متنوع‬
                                        ‫الأيديولوجية للنظام العربي‬         ‫ولا متغير ولا مسكون بالتطور‬
                                          ‫لا تؤسس شرو ًطا جديدة‬            ‫عبر مراحله‪ .‬وقد رد س َّلم على‬
                                                                            ‫هذه النتائج عبر منهجه المادي‬
                                   ‫وعلاقا ٍت جديدة‪ ،‬وإنما تعيد إنتاج‬
                                      ‫العلاقات الاستغلالية الماضية‪.‬‬
   200   201   202   203   204   205   206   207   208   209   210