Page 169 - مسيلة للدموع
P. 169
ُنقلت حورية إلى المستشفى ،كانت تنزف نزيفا لا ينقطع ،تم تعليق محالي َل لها؛ لتستعيض الدماء المفقودة
منها ،قرر الأطباء عمل عملية استئصال للرحم؛ فقد حدث تهتك كبير في جداره ،والإبقاء عليه سيعّرض
حياتها للخطر.
اغتُصبت ب ارءتها ،ولكنها ظلت في عينيها؛ لتكون لعنة على مغتصبيها ،لا يقوون بجبروتهم على النظر
إليهما.
حورية فاقدة النطق تماما ،لا تتحدث بنصف حرف ،تتجمع الدموع في عينيها تباعا حتى تتغرغر ،فتهبط
دفعة واحدة؛ لتتيح الفرصة لتتجمع من جديد ،كانت دموعها تهبط بهدوء ،دون أن تصدر صوتا ،فمن
يستطيع تقدير حجم الص ارخ الذي بداخلها؟!
كانت تظن بأنها إن أخرجته فإنه سيصيب العالم كله بصاعقة.ستنهدم البيوت ،وتتساوى بالأرض ،ويختفي
الناس تحت الأنقاض ،ثم تأتي البحار لتغمر كل ذلك الخ ارب ،وتُعيد الأرض ملسا َء ،لا ينبت فيها إلا
الخير ،ويُستبعد منها كل ُظلم.
لكنها يأست من الص ارخ؛ فقد صرخت في غرفة التحقيق حتى شبعت ص ارخا ،انقطع صوتها ،وفقدت
القدرة على إصدار صوت آخر ،ولم تتزحزح حجارة واحدة من أحجار مبنى السجن القميئة!
فلتصرخ الفتيات كما شئن ،أيم ّس الص ارخ قلوبا استلّذت بسماعه؟
أُيحرك ضمائَر ماتت بعدما أحيته؟
ظّلت حورية تنزف ،وظ ّل ص ارخها الهادر الذي بداخلها يتصارع مع صمت العالم كله ،حتى لم تجد مف ار
من هذا التناقض الرهيب سوى الموت.
ذهبت روحها إلى السماء،لعلّها تشتكي إلى الله بلدة لا يهدأ فيها ص ارخ النساء!
169
مسيلة للدموع