Page 137 - m
P. 137

‫نون النسوة ‪1 3 5‬‬                                          ‫يمكننا القول إن فكرة الهامش والصورة الشعرية‬
                                                            ‫ينصهران م ًعا حتى أنهما ليشكلان لوحة نصية‬
   ‫خاصة وعملت على إثبات حضوره وإخراجه من‬                   ‫متساوية الأبعاد متزايدة البهجة بأثر ما فيها من‬
‫دائرته الخاصة إلى دائرته العامة‪ ،‬وهنا يمكننا القول‬          ‫طاقة إبداعية وما تختزنه من جمال‪ .‬هذه اللوحة‬

  ‫إن الشعر يصبح خاض ًعا لجمهور اللغة وجمهور‬               ‫النصية تطلب من اللغة أن تنعشها من خلال بعث‬
    ‫الصورة الشعرية لأنهما ش َّكلا م ًعا ن ًّصا شعر ًّيا‬      ‫الروح في الهامش وجعله متن النص الشعري‪.‬‬
                                                                    ‫وجب ها هنا التساؤل الجذري العميق‪:‬‬
                            ‫متجان ًسا ومتماس ًكا‪.‬‬
  ‫تقول الشاعرة في ديوانها (نصف احتمال للفرح)‬             ‫كيف تعمل اللغة يا ترى على استحضار الهامش إلى‬
                                                                                                 ‫النص؟‬
                       ‫من قصيدتها تقول الناس‪:‬‬
                             ‫سأجعل منك أحجية‬                ‫اللغة وسيلة للتخاطب ولتبادل الأفكار‪ ،‬وهي في‬
                                                             ‫الوقت ذاته لذة القارئ وغذاء النص‪ ،‬تبعث فيه‬
                ‫تدير رؤوس من شغلوا بأحجيتي‬               ‫الحياة وتطلب منه أن يستحضر الهامش إلى النص‬
                              ‫وألبس فيك أقنعتي‬             ‫من خلال عقد اتفاقية بين الهامش والمتن‪ ،‬فتنظم‬
                                                         ‫ما يشبه جلسة بين طرفين من خلال بعث الكلمات‬
      ‫إذا قررت أن أبقى ‪-‬كما كرهوا‪ -‬على صمتي‬                   ‫واستحضارها وعقد مؤانسة بينهما‪ ،‬فيصبح‬
                 ‫وجاء الناس يمتحنون إصراري‪..‬‬                  ‫الهامش من منظور اللغة عنص ًرا مه ًّما في بناء‬
                   ‫وجاء الناس يمتحنون أوردتي‬               ‫الخطاب الشعري‪ .‬فاللغة إذن جعلت الهامش قوة‬
                    ‫وظلوا يسلكون زحام أنفاسي‬
                            ‫ويفترشون خارطتي‬

           ‫لعلي إن شربت الليل أن أحكيك في لغتي‬
                                     ‫وأخبرهم‪..‬‬

                           ‫إذا دار الشراب معي‪..‬‬
                             ‫ودرت في مخيلتي‪..‬‬
                                    ‫سأدهشهم!‬

                           ‫إذا ما طاردوا سري‪..‬‬
                         ‫لكي أفشيه‪« ..‬من أن ِت؟»‬
     ‫رسمت الأبيات الشعرية خارطة الهامش الذي‬
  ‫يحاول أن يرتقي إلى ضفاف الكمال الوجودي من‬
     ‫خلال جعل كلام الناس ممارسة نصية تصور‬
  ‫هوس المجتمع الذي يحاول إنصاف اللغة وجعلها‬
     ‫تمارس سلطتها على الجمهور الافتراضي لهذا‬

                                         ‫النص‪.‬‬
      ‫فاللغة إذن أثبتت هوية النص من خلال إثبات‬
‫براءة الهامش فجعلته يستوطن داخل النص ويثبت‬
  ‫وجوده بعدما كان خارج دائرة الاستعمال‪ ،‬فاللغة‬
‫إذن لم تحصر النص في الكلام والبوح ولكن جعلت‬
   ‫الخطاب الشعري يشكل رؤية داخل حياة النص‪.‬‬
   ‫في هذا المقطع تحدي ًدا يثيرنا الصوت المفرد الذي‬
  ‫يبدو أنه يبحث بلا هوادة عن نفسه وسط جموع‬
  ‫صوتية وحشود وجودية ووجدانية تمارس شيئًا‬
  ‫من الضغط على هذه الذات الصغيرة الضائعة لولا‬

                                ‫فسحة القصيدة‪.‬‬
              ‫ما أضيق النص لولا فسحة الهامش!‬
   132   133   134   135   136   137   138   139   140   141   142