Page 134 - m
P. 134

‫يلاحظ على الأبيات في التقديم‬
                                                                                                      ‫أ َّنها ُكتبت على طريقة السطر‬
                                                                                                   ‫الشعري الواحد وليس المنشطر‪،‬‬
                                                                                                    ‫وتركت مساحة من البياض بين‬

                                                                                                       ‫الأبيات الثلاثة الُأ َّول والبيتين‬
                                                                                                    ‫الأخيرين‪ ،‬وكثيًرا ما يلجأ الشاعر‬

                                                                                                       ‫إلى تحفيز قصائده بالمساحة‬
                                                                                                  ‫الفراغية التي يتركها بين الجمل؛‬

                                                                                                     ‫أو المقاطع‪ ،‬أو الأبيات على نحو‬
                                                                                                  ‫يثير الفضاء البصري‪ ،‬لأ َّن المساحة‬

                                                                                                          ‫الفراغية تنطوي على نزعة‬
                                                                                                  ‫تأويلية تربط ما قبلها بما بعدها‬

                                                                                                                    ‫بقراءة‪ ‬اجتهادية‪.‬‬

                           ‫والحي َل ُة ال َعج ُز ال َمري ْر‬                                           ‫الصور الشعرية‪ ،‬وتتناثر محققة تراك ًما مشهد ًّيا‬
                  ‫فِهي َي ِذ َل َّمْي ِة َاسل َأ َت َقج ِد ِل ُراأل َّْنطو ُتيغْلاد َر َه َكذا‪..‬‬   ‫يغني العمل الشعري لكنه في جوهره ينظم الخطاب‬
                                                                                                   ‫الذي تحكمه علاقة العام بالخاص‪( .‬عصام شرتح‪:‬‬
                                   ‫َس َف ٌر قصير‬                                                  ‫جمالية التكرار في الشعر العربي السوري المعاصر)‪.‬‬
  ‫إ َّن الشاعرة هنا تتمثل الحياة‪ ،‬التي هي عبارة عن‬
  ‫رحلة قصيرة مهما امتد بها الزمن‪ ،‬تنتهي بالموت‬                                                          ‫وعلى وفق هذا التصور‪ ،‬فإن ما يحققه التكرار‬
 ‫والرحيل الذي لا يسبقه وداع‪ ،‬وهو السفر الوحيد‬                                                        ‫‪-‬من منظور العسري بحسب شرتح‪ -‬من فاعلية‬
  ‫الذي لا مفر منه‪ ،‬وأ َّن الشاعرة هنا اعتمدت تكرار‬                                                    ‫هو تجسير المقاطع الشعرية وربطها‪ ،‬والتفصيل‬
   ‫الجملة الاسمية التي وردت في الاستهلال (سفر‬
  ‫قصير)‪ ،‬وقد أدى تكرار الجملة بهذه الطريقة إلى‬                                                         ‫في صورها‪ ،‬محققة تراك ًما مشهد ًّيا‪ ،‬يثير العمل‬
  ‫تمتين أواصر الدلالة‪ ،‬وتعميق درجتها الإيحائية‪،‬‬                                                    ‫الشعري‪ ،‬ويحفزه‪ ،‬سواء أكان هذا التكرار جملة‪ ،‬أم‬
‫وقوة تأثيرها في المتلقي‪ ،‬من حيث وقعها في النفس‪،‬‬                                                   ‫مقط ًعا‪ ،‬وهذا ‪-‬بدوره‪ -‬يدلنا أن هذا التكرار أشد أث ًرا‬

                         ‫والشعور‪ ،‬والإحساس‪.‬‬                                                          ‫من تكرار الكلمة‪ ،‬لأنه قد يشكل صورة كاملة‪ ،‬أو‬
      ‫أما في النص المعنون (ا ْخ َت َل َف ال َّز َم ُن) (نصف‬                                         ‫رؤية‪ ،‬أو مغ ًزى دلاليًّا مكتم ًل‪ ،‬وللتدليل على فاعلية‬
   ‫احتمال للفرح‪ ،)29 -25 ،‬فيحقق تكرار الجملة‬
‫الفعلية‪( :‬ا ْخ َت َل َف ال َّزم ُن َكثي ًرا) تكرا ًرا دائر ًّيا منتظ ًما‬                             ‫هذا النوع من التكرار (تكرار الجملة الاستهلالي)‬
   ‫في الاستهلال والختام‪ ،‬محق ًقا‪ ،‬تناغ ًما وانسجا ًما‬                                             ‫نأخذ المقطع الشعري من نص ( َس َف ٌر َق ِصي ٌر) (نصف‬
  ‫تا ًّما أسهم في ربط أواصر النص‪ ،‬وتحقيق دورته‬
‫الموسيقية المنتظمة‪ ،‬وهو يعيد جملة المطلع في الختام‬                                                                              ‫احتمال للفرح‪:)11،‬‬
   ‫مع الحفاظ على النسق المكرر‪ ،‬دون تغيير؛ وذلك‬                                                                                        ‫َس َف ٌر َق ِصي ٌر‬

                                                                                                                                ‫إذ لا َمزي َد ِم َن الأ َل‬
                                                                                                             ‫أو لا ودا َع َيتِ ُّم ِل ِم ْن َقب ِل َم ْو ِع ِد ِه ال َأخير‬

                                                                                                                                      ‫َس َف ٌر َقصي ْر‬
                                                                                                                               ‫إذ لا َم َف َّر ِم َن ال َّسف ْر‬
   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139