Page 100 - m
P. 100

‫العـدد ‪58‬‬   ‫‪98‬‬

                                                    ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

    ‫يضحك ضحكة صاخبة ويضرب كتفي بقبضة‬                                                     ‫تسمع له‪.‬‬
      ‫يمينه بقوة لكي يؤكد قوته وفحولته‪ ،‬وأخي ًرا‬                   ‫‪ -‬يا صديقي إنه يعذبني بأكاذيبه‪.‬‬
                                                          ‫‪ -‬انظر إلى نصف الكوب الممتلئ‪ ،‬لقد غادرت‬
   ‫يفلتني‪ ،‬فأنطلق مهرو ًل خائ ًفا من أن يستدعيني‬     ‫البطالة‪ ،‬ثم ها أنت تحصل على راتب منتظم‪ ،‬ليس‬
‫لكي يقول لي هل تعرف أن ليل الصيف قصير وليل‬           ‫كثي ًرا ولكنه يحقق لك بعض الأمان‪ ،‬ثم وهذا مهم‬
                                                     ‫ج ًدا‪ ،‬أنت الآن في قلب تجربة جديدة‪ ،‬أنت عصبي‪،‬‬
                                  ‫الشتاء طويل‪.‬‬       ‫وأرجوك لا تنكر هذا‪ ،‬وهو يكذب كما يتنفس‪ ،‬أنت‬
                                                     ‫الآن في قلب خلطة جهنمية مفرحة‪ ،‬شاهد التجربة‬
                    ‫***‬                                    ‫من خارجها ولا تعايشها‪ ،‬أتفقنا يا مولانا؟‬

                   ‫لماذا خياراتي أنا فقط صفرية؟‬                        ‫‪ -‬لله الأمر من قبل ومن بعد‪.‬‬
 ‫لماذا أنا فقط الواقع بين أنياب ومخالب‪ ،‬أكون أو لا‬        ‫عاد الأستاذ صالح وكان هاد َئا كأن شيئًا لم‬
                                                      ‫يحدث‪ ،‬فعرفت أن صاحبي قد تكلم معه وحصل‬
                                         ‫أكون؟‬      ‫منه على العفو والغفران‪ ،‬فور جلوسه بدأ في الفقرة‬
                 ‫البطالة أو عذاب الأستاذ صالح؟‬      ‫الثالثة وهى الفقرة التي أطلقت أنا عليها «فقرة هل‬
      ‫لو قمت بتصفية حسابي معه‪ ،‬فسيعيدني إلى‬
‫البطالة‪ ،‬ولو واصلت الصمت وهز الرأس فقد أجن‪،‬‬                                               ‫تعرف؟»‪.‬‬
 ‫ح ًّقا‪ ،‬الرجل يعذبني وليس لعصبيتي التي يرميني‬         ‫يقول الأستاذ‪ :‬هل تعرف أن الجملة العربية هى‬
   ‫بها الزملاء دخل‪ ،‬كنت سأشعر بالعذاب حتى لو‬           ‫بالأساس جملة فعلية‪ ،‬تبدأ بالفعل‪ ،‬وأن الأفعال‬
                                                      ‫منها المعرب والمبني‪ ،‬والماضي والمضارع والأمر؟‬
                        ‫كانت لي برودة جبل ثلج‪.‬‬
   ‫من صحراء مدينة نصر يحملني ميكروباص إلى‬                  ‫هل تعرف أن ذا القرنين مذكور في القرآن؟‬
‫جنون ميدان رمسيس‪ ،‬ومن جنون ميدان رمسيس‬                ‫هل تعرف أن محمود درويش شاعر فلسطيني؟‬
  ‫يحلمني ميكروباص إلى فوضى ميدان الحصري‪،‬‬             ‫هل تعرف أن لقب شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر؟‬
 ‫ومن فوضى ميدان الحصري يحملني ميكروباص‬
                                                            ‫هل تعرف أن نهر النيل ينبع من الحبشة؟‬
     ‫إلى عمق صحراء أكتوبر‪ ،‬حيث فوقي صحراء‬                           ‫هل تعرف أن ثلث الثلاثة تسعة؟‬
   ‫وتحتي صحراء وعن يمني صحراء وعن شمالي‬
  ‫صحراء ومن أمامي صحراء ومن خلفي صحراء‪.‬‬                ‫يمكث قرابة الساعة في سرد تلك المعلومات التي‬
                                                       ‫يؤمن أنها من كنوز المعرفة‪ ،‬عندما تأتي الساعة‬
      ‫في متاهات الميكروباصات‪ ،‬تستحوذ عليَّ ليلى‬     ‫الخامسة‪ ،‬أحرك شفتي هام ًسا بالشهادة‪ ،‬الحمد لله‬
                                        ‫السعيد‪.‬‬
                                                                                   ‫لقد انتهى اليوم‪.‬‬
   ‫تأتي من زماننا الأول‪ ،‬معطرة ناعمة لينة باسمة‬      ‫لا يتركني الرجل أذهب في أمان الله‪ ،‬يقوم ويضع‬
 ‫تقول‪ :‬أنا السعيد ومن جاور السعيد سيسعد وأنا‬
                                                       ‫يده اليمني على كتفي ويبدأ في انتقادي‪ ،‬يصفني‬
            ‫سأسعدك حتى تحلق في قلب النشوة‪.‬‬           ‫بالمكتئب المنعزل الصامت غير المتفاعل‪ ،‬الكاره لمتع‬
   ‫تقول‪ :‬هون على نفسك‪ ،‬فأنت لست صحفيًّا‪ ،‬أنت‬
                                                                                            ‫الحياة!‬
                                  ‫الكاتب الفنان‪.‬‬      ‫أنظر إليه صامتًا وأنا أهز رأسي بعلامة الموافقة‪.‬‬
  ‫تقول‪ :‬اترك لي ظهرك وسأتولى حمايته‪ ،‬أما قلبك‬
                                                                                      ‫يقول بحسم‪:‬‬
                      ‫فهو معي ولن تسترده أب ًدا‪.‬‬                       ‫‪ -‬لا تترك نفسك بدون علاج‪.‬‬
  ‫تقول‪ :‬فليقم سيدي ومليكي إلى جولة حب فجنتي‬
                                                                                  ‫‪ -‬الشفاء من الله‪.‬‬
                                        ‫عطشى‪.‬‬                               ‫‪ -‬ولكن يجب أن تسعى‪.‬‬
 ‫بدموع قلبي أدعو الله أن يصرفها عني‪ ،‬لقد ذهبت‬
 ‫ولن تعود‪ ،‬ما فائدة إعادتها لتشهدني مصلو ًبا على‬                                       ‫‪ -‬سأسعى‪.‬‬
                                                                 ‫‪ -‬أنت شاب‪ ،‬فتمتع بسنوات شبابك‪.‬‬
    ‫صلبان جنون الميكروباصات وزحامها وعرقها‬          ‫‪ -‬لست شا ًّبا‪ ،‬أنا في النصف الثاني من الخمسين‪.‬‬
                                    ‫وصراخها؟‬

 ‫تغادرني ليلى عندما أكون فوق المحور‪ ،‬ثم سرعان‬
   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105