Page 97 - m
P. 97

‫‪95‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة‬

  ‫العظيم‪ ،‬لقد قلت لك إنني عشت بها ثلاث سنوات‪،‬‬            ‫الحمد لله لا يسترسل في حديث الفقرة الأولى‬
‫ثم تأتي لتحاكمني مستن ًدا إلى نطق الحمير الذين لا‬     ‫ليدخل سري ًعا في وقائع الفقرة الثانية‪ ،‬التي تدور‬
                                                       ‫حول أمجاده الصحفية‪ ،‬فهو قد سافر إلى اثنتين‬
                    ‫يعرفون الألف من كوز الذرة‪.‬‬        ‫وثمانين دولة‪ ،‬وحاور قادة تلك الدول‪ ،‬ومقابلاته‬
                           ‫‪ -‬أعتذر ولن أكررها‪.‬‬
                                                                            ‫هزت الأوساط الإعلامية‪.‬‬
  ‫‪ -‬طب ًعا‪ ،‬لن تكررها‪ ،‬لا لشيء‪ ،‬ولكن حف ًظا لعقلك‪،‬‬   ‫طب ًعا لا ينسى الشكوى من وكالات الأنباء العالمية‬
           ‫أرجوك لا تستشهد بنطق الحمير ثانية‪.‬‬
                                                       ‫التي كانت تتخاطف حواراته وتبثها ولا تقدم له‬
    ‫ذهب إلى الحمام فرأيت عامل البوفيه واق ًفا على‬                              ‫مقاب ًل ماد ًّيا يستحقه‪.‬‬
                               ‫رأسي وهو يقول‪:‬‬
                                                       ‫في أول عهدي به‪ ،‬ظننت لغفلتي أن التخلص منه‬
 ‫‪ -‬عف ًوا‪ ،‬كنت أظنك أعقل من أن تقع في خطأ كهذا‪.‬‬       ‫ومن فقراته‪ ،‬هو من الأمور البسيطة الهينة‪ ،‬كأن‬
                                 ‫‪ -‬أنا لم أخطئ‪.‬‬
                                                        ‫أفتعل الاستغراق في العمل ولا أرد عليه بكلمة‪.‬‬
                      ‫‪ -‬بل أخطأت‪ ،‬وكدت تقتله‪.‬‬        ‫ولكن هيهات‪ ،‬فهو يقترب بمقعده من مقعدي حتى‬
           ‫‪ -‬هو يكذب‪ ،‬والعاصمة اسمها بانكوك‪.‬‬
   ‫‪ -‬هل بانكوك هذه من عائلتك؟ فلتكن بانكوك أو‬            ‫يكاد أن يلاصقني ثم يشدني من ذراعي لكي‬
                                                     ‫أنظر إليه وأتابع الفقرة بوجهي وعيني وأذني‪ ،‬مع‬
                                      ‫لبان دكر‪.‬‬       ‫ترديدي لكلمات من عينة‪ ،‬يا سلام‪ ،‬الله أكبر‪ ،‬هل‬
                         ‫‪ -‬هو يتعمد إهانة عقلي‪.‬‬
 ‫‪ -‬يا أستاذي‪ ،‬أنت في نعمة فلا تخرب بيتك بيديك‪،‬‬                         ‫هذا معقول‪ ،‬هذا إنجاز خارق‪.‬‬
     ‫عقلك في رأسك‪ ،‬ولم يهنه أحد‪ ،‬اترك له أذنيك‪،‬‬         ‫عندما فشل افتعالي الاستغراق في العمل جربت‬
‫لتمضي الحياة‪ ،‬هو قال لي‪ :‬إنك –عف ًوا‪ -‬عاطل‪ ،‬وهو‬      ‫حيلة ثانية وأخيرة فقد صححت له نطقه لعاصمة‬
    ‫قبل بك‪ ،‬فليكن كلامه ضريبة عودتك إلى العمل‪.‬‬
                          ‫‪ -‬هذا جحيم يا مسعد‪.‬‬                  ‫آسيوية زعم أنه أقام بها ثلاث سنوات‪.‬‬
      ‫‪ -‬لا جحيم ولا أي شيء‪ ،‬تعمل قلي ًل وتسمع‬          ‫لحظتها ندمت أشد الندم‪ ،‬ثم غزاني خوف جبان‬
     ‫حكايات مضحكة وتقبض راتبًا‪ ،‬بالحق أنت في‬
                                                           ‫قاتل‪ ،‬الرجل سيموت الآن‪ ،‬سيموت مختن ًقا‬
                                         ‫الجنة‪.‬‬         ‫بالغضب‪ ،‬وسيبلغهم عامل البوفيه بأنني الذي‬
                          ‫‪ -‬الأكاذيب تعكر دمي‪.‬‬           ‫أغضبته‪ ،‬لو ترافع عني أعظم المحامين فستتم‬
     ‫‪ -‬أنا لا أعرف هذا الكلام‪ ،‬الذي أعرفه أن لكل‬          ‫محاكمتي بتهمة القتل الخطأ‪ ،‬يعني سأسجن‬
   ‫شيء مقابل‪ ،‬ضريبة يعني‪ ،‬أنا لم أحصل إلا على‬
  ‫دبلوم التجارة‪ ،‬مثلي ليس له عمل‪ ،‬بقدر الله عملت‬           ‫لسنوات‪ ،‬لأني صححت نطق اسم عاصمة‪.‬‬
  ‫مع الأستاذ صالح‪ ،‬يأخذني معه في كل عمل‪ ،‬وفي‬         ‫بدأ موته بذهاب دماء الحياة من وجهه‪ ،‬لقد أصبح‬
                      ‫فترات البطالة يتولى أمري‪.‬‬     ‫وجهه فاقع الصفرة‪ ،‬وراحت شفته السفلى ترتعش‪،‬‬
                        ‫‪ -‬يتولى أمرك لوجه الله!‬
     ‫‪ -‬أستغفر الله‪ ،‬لا تجعلني أكفر‪ ،‬أنا الذي أمده‬       ‫ثم بدأت أصابع يديه ترتعش‪ ،‬ثم ضرب فخذيه‬
     ‫بـ» ِسنة» الأفيون التي يستحلبها قبل مغادرته‬     ‫بيديه الاثنتين ضربة قوية ج ًدا‪ ،‬ثم هب واق ًفا كأنه‬
     ‫لبيته‪ ،‬وهى من أردأ أنواع الأفيون‪ ،‬وهو يدفع‬
  ‫بسخاء عجيب‪ ،‬ثم أمده بمنشطات العطارين‪ ،‬وهو‬             ‫شاب في ريعان شبابه‪ ،‬ثم عاد إلى مقعده‪ ،‬تكلم‬
  ‫يدفع بسخاء لأنه يؤمن بأن المنشطات قادرة على‬       ‫بلعثمة مخمور‪ ،‬فلم أفهم من كلامه شيئًا‪ ،‬ثم بقدرة‬
                     ‫إحياء الذي مات وشبع مو ًتا‪.‬‬
                          ‫‪ -‬أنت مجرم يا مسعد‪.‬‬                             ‫عجيبة عاد إلى الحياة فقال‪:‬‬
‫‪ -‬الجوع هو المجرم يا أستاذ‪ ،‬لقد أحببتك لوجه الله‬       ‫‪َ -‬م ْن قال لك إن عاصمة تايلاند اسمها بانكوك‪.‬‬
  ‫وفتحت لك قلبي‪ ،‬فلا تخن ثقتي بك‪ ،‬والتغافل لم‬           ‫‪ -‬كل قراء النشرات الأجانب والعرب ينطقونها‬

                                                                                           ‫بانكوك‪.‬‬
                                                              ‫‪ -‬حمير‪ ،‬هل تحاكمني من أجل الحمير‪.‬‬

                                                                     ‫‪ -‬لم أحاكمك‪ ،‬أنا قلت ما أعرف‪.‬‬
                                                        ‫‪ -‬هى بانجوج‪ ،‬ولا شأن لي بحمير لا يعرفون‬
                                                         ‫صحيح النطق‪ ،‬لا حول ولا قوة إلا بالله العلي‬
   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102