Page 93 - m
P. 93

‫‪91‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة‬

     ‫تمد يدها‪ ،‬تصطاد كل سمكة وأختها‪ ،‬لا تترك‬                  ‫سيساعدك فيه واحد ستتأخر حبيبته يو ًما‪،‬‬
‫الشقيقات‪ ،‬ترميها في الحفرة‪ ،‬ثم تغسل نفسها وأنا‬           ‫والغرام سلف ودين‪ ،‬ستنزع خرطوم الهواء من‬
                                                         ‫العربة الخلفية‪ ،‬ستنزعه بسرعة وحذر‪ ،‬سيتلوى‬
  ‫أداريها‪ ،‬تلقف بنطلونها من حضني دافئًا ونعود‬            ‫على الأرض بفعل اندفاع الهواء‪ ،‬ستنزع السدادة‬
‫بالغنيمة‪ ،‬تنظر في وجهي‪ ،‬تنفرط ضحكة‪ :‬لن تتعب‬
                                                             ‫النحاسية أو الحديدية‪ ،‬ثم تسحب الخرطوم‬
     ‫في مؤونة البيت‪ ،‬تسدد سواد عينيها وتهمس‪:‬‬             ‫وتجري‪ ،‬حتى تأتي حبيبتك‪ ،‬والحبيبات يتأخرن‪،‬‬
                                ‫اصطدتك هكذا‪.‬‬          ‫سيتأخرن لأنهن يعرفن أن قلو ًبا ستعطل القطارات‪،‬‬
                                                      ‫وأن نبضاتها هي من ستعمل لا ماكينات القطارات‪.‬‬
   ‫هو هو المشوار ذاته حين دخلت الكلية‪ ،‬أعود في‬         ‫الولد المندفع ‪-‬ولن أقول الغشيم‪ -‬سحب الخرطوم‬
‫الإجازة‪ ،‬أمشي نفس الطريق‪ ،‬نفس الفريق تقريبًا‪،‬‬            ‫واحتفظ به في يده لثوا ٍن فتلويا م ًعا على الأرض‪،‬‬
  ‫نقص فقط الشاويش لخروجه على المعاش‪ ،‬وبائع‬
‫الجرائد اقترب أكثر من بائعة الفاكهة‪ ،‬تحتك رجله‬               ‫والبنت المغرم بها كانت طيبة‪ ،‬لم تحبه لكنها‬
‫وتغوص كي تطرد البرد وتوغل في الدفء‪ ،‬سنتان‬                     ‫صادقته وتركت للأيام أن تسد ثقوب قلبه‪.‬‬
                                                      ‫أحببتها‪ ،‬بعيون واسعة كنهر يجري ببطء‪ ،‬بابتسامه‬
    ‫والبراد يغلي ولا كوب واحد من الشاي‪ ،‬تعجبه‬            ‫تسري من وجهها لوجهي‪ ،‬أحببتها وضبطت كل‬
‫اللعبة‪ ،‬تعجبها‪ ،‬طريق الوصال أمتع ما في الوصال‪،‬‬
 ‫تسخين الماء أجمل أحيا ًنا من الاستحمام به‪ ،‬متعة‬                    ‫مواعيد القطارات على صوت حذائها‪.‬‬
‫الوعد ألذ من قطف الوعد‪ ،‬تفريط الرمان مع عاشق‬          ‫لا يجب على بنت أن تتزوج أو تسقط في الحب إلا إذا‬

  ‫ألذ من أكل الرمان‪ ،‬يعرفان أنني واقع في الغرام‪،‬‬                      ‫كان حبيبها يعرف صوت حذائها‪.‬‬
 ‫لا مبرر للمشوار ذاته إلا إذا كنت واق ًعا في الحب‪،‬‬      ‫حين يأتي معها ابن خالتها الذي يريد أن يخطبها‬
  ‫فقستني المرأة بالطبع‪ ،‬المرأة المتمنعة‪ ،‬الموغله فيه‬
‫التي تعرف أنها ليست سوى محطة واحدة سينزل‬                     ‫تركب الميكروباص‪ ،‬في الحقيقة لم تكن عندنا‬
  ‫فيها ويمضي لداره‪ ،‬حبة فاكهة سيأكلها ويرمي‬                ‫سيارات ميكروباص‪ ،‬كانت عربات إسعاف قد‬
‫بذرها‪ ،‬آخرها طقوس عملية الشواء‪ ،‬وبائع الجرائد‬            ‫أنهت مهمتها وباعوها بدل أن يكهنوها‪ ،‬اشتراها‬
                                                          ‫من اشتراها بهيكلها الصامد الصلب‪ ،‬بحوادثها‪،‬‬
     ‫بروحه المنهكة يبدو أنه تعب من الجري وراء‬
              ‫الفاكهة يقول لها‪ :‬ما رأيك في هنية؟‬              ‫بتاريخها المجيد واشتروا لها مواتير جديدة‬
                                                             ‫وأركبونا فيها كي لا نتشاءم منها فيما بعد‪.‬‬
   ‫ترد بغير اكتراث‪ :‬أنت هتموت وتلعب‪ ،‬ثم كأنها‬             ‫وقعت في غرام البنت التي تبدو رموشها كغطاء‬
‫تستدرك مع أنها قصدت‪ :‬أنت هتتجوز على روحك‪.‬‬              ‫بيت أو سيوف جديدة‪ ،‬بخدودها التي تنز رطبًا في‬
‫يعيد عليها السؤال بطريقة أخرى‪ ،‬طريقة المستسلم‬            ‫الصيف ودفئًا في الشتاء‪ ،‬لم أر في حياتي أصابع‬
                                                           ‫امرأة أجمل من أصابعها‪ ،‬وإذا كانت فاطمة قد‬
  ‫الذي يملك عود ثقاب أخير‪« :‬طيب إيه رأيك‪ :‬هي‬           ‫مدت ي ًدا واحدة في الماضي أيام الإعدادية ومسحت‬
                                 ‫هنية سخنة؟»‪.‬‬             ‫َن َم ِشي؛ فإن نجوى قد مدت كفيها الاثنتين أيام‬
                                                        ‫الثانوية في وجهي وأطبقت عليه وعرفت مكان كل‬
‫ورغم أن وجهي احم َّر فجأة في عز البرد؛ ترد وهي‬               ‫حبة نمش‪ ،‬كادت تعده وقالت‪ :‬آكله يا ولاد!‬
  ‫تنظر ناحيته بطريقة لا تعرف إن كانت باردة أم‬          ‫يتعطل القطار‪ ،‬نمشي‪ ،‬نمشي للمحطة القادمة حتى‬
                             ‫دافئة لكنها قاطعة‪:‬‬           ‫يقوم‪ ،‬فرحة كأننا أطفال تحت المطر‪ ،‬الحب آيته‬
            ‫لا أعرف إن كانت هنية سخنة أم لا‪..‬‬           ‫المشي‪ ،‬تقف فجأة كعادتها‪ ،‬قد تعده وستخطئ في‬
   ‫ثم تعدل وجهها إلى الأمام حيث لا يلتقطه أحد‪:‬‬         ‫العد‪ ،‬توقفني وتختبئ في ظهري‪ ،‬تحتمي بي تخلع‬
                   ‫الذي أعرفه جي ًدا أنني سخنة‪.‬‬         ‫بنطالها‪ ،‬تربط إيشار ًبا على وسطها حتى منتصف‬
                                     ‫‪------‬‬                  ‫سيقانها‪ ،‬تضيء في قلب النهار‪ ،‬تهبط لجرفة‬
                         ‫مقاطع من سيرة ذاتية‪.‬‬           ‫المصرف‪ ،‬تصنع حفرة كبيرة في قلب طين الحافة‪،‬‬
   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98