Page 89 - m
P. 89

‫‪87‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة‬

‫بالعرض‪ ،‬جاء على مقاس حلمها تما ًما‪ ،‬ليس مطلو ًبا‬           ‫تعبأ بتحذيرات الحكم ولا صراخه‪ ،‬قطعت سير‬
 ‫منها أن تكون البدلة على مقاس الباترون بالضبط‪،‬‬         ‫اللعب لتنذرنا‪ ،‬رجوناها مرة أخرى ووعدناها وحين‬

   ‫ربما كان من حظها أنه كان أفضل من الباترون‬             ‫عادت لأبي قالت له بالحرف الواحد‪ :‬أخبروني أن‬
‫والحلم‪ ،‬سقط بطيبته بين ساقيها‪ ،‬وبسرعة تتوافق‬                       ‫أقول لك إنهم غير موجودين في الملعب‪.‬‬

     ‫مع النوايا أخذت زمام المبادرة‪ ،‬أمسكت لجامه‬         ‫فظيعة‪ ،‬إذا أرادت شيئًا ولم يستجب لها أحد‪ ،‬تبكي‬
          ‫ونشطت عندها مرة أخرى غدد الزعامة‪.‬‬                ‫من المغرب حتى منتصف الليل أو حتى يأخذها‬

 ‫يعود من العمل‪ ،‬أتخيله يدخل ببدلة الضباط‪ ،‬تلقف‬          ‫النوم بالبكاء‪ ،‬لكنها للأمانة لم تكن تحمل في قلبها‪،‬‬
    ‫الكاب منه‪ ،‬تطوحه على أقرب كنبة أو طاولة‪ ،‬لا‬          ‫لا تأت على سيرة الموضوع في اليوم التالي بعد أن‬

‫تترك له فرصة ليتنفس‪ ،‬بالكاد يخلع حذاءه‪ ،‬يجلس‬                                            ‫أخذ يو ًما بليلة‪.‬‬
      ‫القرفصاء على الأرض لتصعد هي فوق الكنبة‬               ‫إذا كان هناك من يعتقد أن النمش سيأخذ وقته‬
                                                          ‫وينتهي فهو واهم‪ ،‬أو أنه مجرد طفح جاء نتيجة‬
 ‫وتبدأ خطبتها‪ ،‬زعيم شديد على شعب مستسلم من‬             ‫ظرف عابر فهو مخطيء‪ ،‬النمش ليس ريح صيف أو‬
 ‫فرد واحد‪ ،‬تل ِّوح بيدها في الهواء‪ ،‬تغيِّر لون عينيها‬  ‫حد ًثا عاب ًرا‪ ،‬النمش أقرب إلى القدر الذي صنعه أهله‬
  ‫الملونتين‪ ،‬تخطب حتى تتعب‪ ،‬في الحقيقة لا تتعب‪،‬‬
                                                                                    ‫بأيديهم وغواياتهم‪.‬‬
                            ‫كل يوم تعاود الكرة‪.‬‬          ‫عروق الزعامة لا تنشف‪ ،‬دماؤها تنخفض وتسير‬
‫لم تكتف بهذا التدريب القاسي على أصول الزعامة‪،‬‬
 ‫أرادات الحصول على نصيب عملي‪ ،‬مرحلة الانتقال‬               ‫ببطء في العروق حتى يأتيها المدد الجديد‪ ،‬تنتظر‬
                                                         ‫فرصة لتسقي جذورها وتعيد إشعال شعلتها من‬
       ‫من الخطب لمعانقة الجماهير‪ ،‬زوجة الضابط‬
   ‫بمقام الضابط‪ ،‬حين أصبح رئي ًسا لنقطة شرطة‬                                        ‫جديد‪ ،‬وهو ما كان‪.‬‬
 ‫وخرج لسبب أو لآخر لمعاينة غريق أو للفصل بين‬               ‫تزوجت من أطيب ضابط في العالم‪ ،‬أمين شرطة‬
‫متنازعين‪ ،‬قبضت على دفتر الأحوال‪ ،‬تابعت حضور‬              ‫درس الحقوق أثناء عمله لتحسين وضعه ووضع‬
   ‫وانصراف الخفراء‪ ،‬من تأخر عن الحضور‪ ،‬ومن‬                  ‫الضابط عندنا في المرتبة الثانية بعد النبي‪ ،‬لكن‬
   ‫تأخر عن الاهتمام بالبط والأوز الذي تربيه فوق‬            ‫روحه لم يكن بها مكان للكبر والزهو‪ ،‬تزوجها‪،‬‬
  ‫سطح النقطة‪ ،‬تشخط وتنطر بل وتعاقب‪ ،‬وعقابها‬                ‫أحنى جبينه لها كي يعيش‪ ،‬رضخ لزعامتها من‬
    ‫سريع للردع العام ووضع أول لبنة في الصيت‬            ‫أول ليلة وهو المسالم أص ًل‪ ،‬ولولا خوفه منها لوزع‬
   ‫الجديد‪ ،‬وضع الخفير غذاء الأرانب للبط والأوز‪،‬‬          ‫نصف راتبه على العساكر‪ ،‬رفيق طفولتي‪ ،‬أصحو‬
‫فما كان منها إلا أن طلبت منه الوقوف كت ًفا سلاح‪،‬‬         ‫في الصباح أمر عليه لنلعب الكرة‪ ،‬كانت حياة أهله‬
  ‫وأغرقته هو وجلبابه وبندقيته ودهشته بخرطوم‬             ‫بائسة لكن معظهم كان راضيًا إلا من قنعرة كاذبة‬
                                                          ‫لأبيه الطيب الفخور بأجداده اللصوص العماليق‪،‬‬
                                          ‫المياه‪.‬‬          ‫أمر كل صباح ونفس الطعام تقريبًا‪ ،‬أرز أبيض‬
‫في سكنها أعلى مبنى النقطة جهاز إرسال واستقبال‬            ‫مسلوق بالماء من الأمس‪ ،‬تجلد من برودة الطقس‬
                                                       ‫حتى أضحى كقطعة من الكاوتش تضربه في الحائط‬
  ‫البلاغات مع المركز‪ ،‬كانت ترد أثناء نومه أو حين‬          ‫فيرتد عليك‪ ،‬يحلبون البقرة اليتيمة ويغلون لبنها‬
     ‫خروجه لبلاغ أو مأمورية‪ ،‬مع الوقت احتكرت‬            ‫حتى يفرك ليزيل برودة الأرز المتجمد‪ ،‬أحيا ًنا هناك‬

   ‫الجهاز‪ ،‬الزعيم يحتاج ميكروفو ًنا وإذاعة ليتصل‬                                 ‫بعض اللفت وأحيا ًنا لا‪.‬‬
   ‫بقوى الشعب العاملة‪ ،‬أصبحت المتحدث الرسمي‬              ‫أطيب صبي لا يخلو أحيا ًنا من غشم طفولي جاءه‬
                                                         ‫من المناخ الذي يعيش فيه‪ ،‬لا يلعب للأمام‪ ،‬ما من‬
     ‫مع المركز والمديرية‪ ،‬تزعظ البط وتعزم المأمور‬        ‫مرة رمى أو قذف كرة تجاه المرمي المنافس‪ ،‬يلعب‬
      ‫والضباط‪ ،‬تسأل رئيس المباحث عن الجناة في‬          ‫بالعرض‪ ،‬لا يهاجم أب ًدا‪ ،‬وحين تزوجته كانت كريمة‬
      ‫جريمة قتل وتطرح عليه الحلول‪ ،‬تتابع حركة‬
  ‫التنقلات‪ ،‬وتواسي من تم نقله أو تهنئه إذا تحرك‬              ‫معه‪ ،‬تركته في غيه الوحيد القادر عليه‪ ،‬المشي‬

       ‫لمكان أفضل‪ ،‬تربط الصلات وتعرف مواعيد‬
                                      ‫الترقيات‪.‬‬
   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94