Page 85 - m
P. 85

‫‪83‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة‬

  ‫قطع دراسته قبل عامين‪ ،‬وهو في السنة الدراسية‬
   ‫الثالثة‪ ،‬وذهب لأداء الخدمة الإلزامية لكي ينتهي‬
‫منها مرة واحدة إلى الأبد ويتفرغ لحياته ومستقبله‪.‬‬

     ‫وبعد أن أنهى خدمته عاد إلى الدراسة فأنهاها‬
‫بتفوق‪ ،‬وبدأ تحقيق حلمه بالالتحاق بإحدى الهيئات‬

   ‫الحكومية في مجال القانون‪ .‬فشل في المرة الأولى‬
     ‫نظ ًرا لأن هذه الهيئة تتبع جهات أمنية سيادية‬
    ‫ولها متطلبات صارمة وكثيرة‪ .‬وعلى الرغم من‬

  ‫توافر كل هذه المتطلبات راحوا يس ِّو ُفون ويطلبون‬
    ‫أورا ًقا إضافية تارة‪ ،‬ويؤجلون النظر في أوراقه‬

  ‫تارة أخرى إلى أن نشبت الحرب‪ .‬فاستدعوه مرة‬
     ‫أخرى ضمن قوات الاحتياط‪ .‬لم يكن هناك أي‬

   ‫مخرج للإفلات‪ .‬ولم تنفع توسلات الأب أو الأم‪.‬‬
‫فالحرب هي الحرب‪ .‬توجه الأب على الفور إلى مركز‬
‫التجنيد وو َّقع على عقد خدمة في صفوف المتعاقدين‪.‬‬
‫وطلب أن يكون في نفس مكان خدمة ابنه حتى وإن‬

    ‫اقتطعوا جز ًءا من راتبه الشهري‪ .‬تناول زجاجة‬
 ‫الفودكا من يد الروسي وأخذ جرعة طويلة‪ ،‬وقال‪:‬‬
   ‫«خدمنا في نفس الوحدة‪ ،‬لكن أبي كان في المقدمة‬

    ‫مع المتعاقدين‪ .‬والآن انتهت خدمتي‪ ،‬وبقي لأبي‬
 ‫ستة أشهر على إنهاء المدة التي تعاقد عليها‪ ..‬رفض‬

     ‫أن يتركني للذهاب إلى الحرب بمفردي‪ .‬أعلنت‬
    ‫أمي الحداد‪ ،‬وزلزلت كيان البيت‪ .‬طلبت منه أن‬
‫يتصرف‪ .‬فهي لا تريد أن تفقد ابنها الوحيد‪ .‬حولت‬
    ‫حياتنا إلى جحيم‪ .‬كانت تصحو من النوم وهي‬
  ‫تصرخ‪ .‬وتظل تندب طوال اليوم‪ .‬هددت بالذهاب‬
    ‫إلى الرئيس شخصيًّا لتطالبه بألا يأخذوا الأبناء‬
    ‫الوحيدين وإلا فماذا يفعل الآباء والأمات عندما‬
   ‫يشيخون ويصبحون بحاجة إلى أبنائهم‪ .‬لم يكن‬
   ‫أمام أبي إلا أن يتعاقد ليكون إلى جواري‪ .‬عندئذ‬
  ‫هدأت الأم قلي ًل‪ .‬لكنها لم تكن تعرف أن لا علاقة‬
    ‫للرصاص والقنابل والانفجارات بالأمر‪ ،‬فهي لا‬
    ‫تفرق بين الابن وأبيه‪ ،‬ولا بين الجندي من هذا‬
‫الجيش‪ ،‬ولا ذاك الجندي من الجيش المقابل‪ .‬ولكنها‬
 ‫هدأت واطمأنت‪ .‬وقالت لنا‪ ،‬إذا طالت الحرب فإنها‬
    ‫ستطلب هي الأخرى التعاقد لتنضم إلينا لاح ًقا‪.‬‬
 ‫أبكتنا الأم في الليلة الأخيرة قبل التوجه إلى الحرب‬
 ‫وقالت‪ ،‬إذا كان من المقرر أن نموت‪ ،‬فلنمت جمي ًعا‪،‬‬
   ‫وأن لا معنى للحياة بدون أي أحد منا‪ .‬بكي أبي‪.‬‬
   80   81   82   83   84   85   86   87   88   89   90