Page 91 - m
P. 91

‫‪89‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة‬

 ‫بالأرانب والسمك بالأرز الأحمر‪ ،‬وتنتظر‪ ،‬تنظر في‬
  ‫الساعة على الحائط‪ ،‬تستحم‪ ،‬اقترب ميعاد عودته‪،‬‬

                                  ‫لكنه لا يعود‪.‬‬
‫أنظر إليها‪ ،‬من يعيد لها الشريط من أوله‪ ،‬في عينيها‬

   ‫ظل رج ًل هار ًبا‪ ،‬ظل كاذ ًبا أو مراو ًغا‪ ،‬استعادت‬
‫دموعها ونهنهت‪ ،‬المرأة التي تنهنه بعد وفاة زوجها‬

  ‫تعد نفسها لحدث آخر‪ ،‬كأنها تفكر أن تبحث مرة‬
‫أخرى عن شعب كامل في إهاب رجل جديد يعيد لها‬

  ‫المشهد ذاته‪ ،‬وعندما تتيقن أنه كان نسخة وحيدة‬
   ‫وفرصة وحيدة ومضت دون رجعة‪ ،‬وأن شهوة‬

     ‫الزعامة ما زالت نابضة في عروقها لا تفكر في‬
   ‫رجل أو شعب آخر‪ ،‬بل تصعد مرات فوق الكنبة‬

     ‫ذاتها‪ ،‬تلبس الكاب على رأسها‪ ،‬تضبط مقاسه‪،‬‬
‫تجرب حنجرتها بأصوات متعددة‪ ،‬بطبقات حماسية‬

     ‫وأخرى حنون مملوءة بالوعود‪ ،‬تخطب وترى‬
   ‫جماهيرها وحدها‪ ،‬تفكر بصوت عا ٍل في الترشح‬
‫لعضوية البرلمان وخوض الانتخابات التي تتيح لها‬
‫أن تفرغ شهوتها أمام الجماهير والميكرفونات‪ ،‬وأن‬

                    ‫تنتقم على طريقتها من غيابه‪.‬‬

                 ‫‪-2‬‬

‫لا أعرف من قال إن الحب مرادف للمشي‪ ،‬لا بد أنه‬
   ‫واحد من عندنا قضى نصف شبابه على الطرقات‬
 ‫الخشنة كي يصل محبوبته‪ ،‬وعندما أوجعته قدماه‬

 ‫التي تشققت من المشي حافيًا على الحصى وقلاقيل‬
  ‫الطين الناشف لزم بيته بالوجد والألم لعدم قدرته‬

      ‫على معاودة الوصال‪ ،‬فأنشد بيت الشعر الذي‬
  ‫صار علامة على وجع وولع المحبوب‪« :‬آه يا رجلي‬

           ‫الوجعاني‪ ،‬حايشاني عن الزين الغالي”‪.‬‬
 ‫كان منظ ًرا معتا ًدا‪ ،‬حين ترى واح ًدا يمشي بقدمين‬

   ‫متشققتين على أرض متشققة‪ ،‬فهو إما عاشق أو‬
‫طالب في المدرسة يخشى أن ينقطع نعل حذائه اليتيم‬

                 ‫فلا يكمل به سنتين من الدارسة‪.‬‬
     ‫كان عليَّ كي أصل للمدرسة الثانوية أن أمشي‬
      ‫أكثر من ثلاث كيلو مترات على الأقل ثم أركب‬
    ‫سيارة لقرابة عشرين كيلو‪ ،‬وإذا انقطع الطريق‬
 ‫بسبب سيول المطر كان علينا أن نغيب عن المدرسة‬
   ‫أو نسلك طري ًقا آخر به معدية أو صندل كما كنا‬
  ‫نقول‪ ،‬وحين يتعطل ‪-‬وكثي ًرا ما يحدث‪ -‬فعلينا أن‬
   86   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96