Page 98 - Dilmun 29
P. 98
العدد التاسع والعشرون – يوليو 2021 جمعية تاريخ وآثار البحرين /مجلة دلمون
نمــط عيــش وطريقــة تفكيــر كل ع ّبـر بـول كلـي فـي دفتـر مذكراتـه ال ّترحال
كهو ّية
عــن انبهــاره بكميــة الضــوء عنــد منهمــا.
فرحلـة بـول كلـي هـي رحلـة الألوان الشــروق فــي مدينــة القيــروان،
والأصـوات فـي نفـس الوقـت ،حيـث حيــث اكتشــف كمــا قــال الشــمس
كـ ّرس فيهـا الفنـان اهتمامـه بمظاهـر التـي «تتغلغـل فـي جسـد الإنسـان و
الحيــاة اليوميــة وهندســة المــكان روحـه بحيـث لا يمكـن تفاديهـا .فهي
كضيـق الأز ّقـة وازدحـام الأسـواق ،بريــق ســاطع ووهــج مشــ ّع»(،)8
ولكـن كان انبهـاره الأشـ ّد بالأضـواء الأمـر الـذي جعـل للشـمس حضـو ًرا
السـاطعة وألـوان المدينـة وزخارفهـا واض ًحــا فــي لوحاتــه .فتم ّكــن مــن
الفريــدة مــن نوعهــا وهــو مــا لــم تحقيـق تناغـم موسـيقي مـن َضـال
يعهـده مـن قبـل فـي المـدن الأوروبية الألــوان وتح ّولــت أعمالــه إلــى
التـي تتسـم أضواؤهـا بالبـرود .وقـد حـوارات بيـن الضـوء والظـل وكأنـه
كانــت رحلتــه إلــى تونــس كفيلــة بذلــك يطــرح كتلــة مــن التناقضــات
بتحريـره مـن رسـم المبانـي منطل ًقـا بيــن الواضــح والغامــض ،بيــن
بذلـك نحـو التجريـد الخالـص رغـم الحلـم والحقيقـة ،فمـن خـال لوحاتـه
اهتمامـه بالزخرفـة والرمـوز ،وهـو يكتشــف المشــاهد يوميــات الرحلــة
مــا شــ ّكل ســب ًبا لمحاربتــه بوصفــه وانعكاســات تلــك المناطــق علــى
«فنــان زينــة» بحيــث يتــراءى رســومات بــول كلــي .فال ّرحلــة لــم
للمشـاهد مـن خـال رسـوماته أنهـا تكـن عاديـة ،فهـي أعمـق مـن مجـرد
عبــارة عــن زخــارف و نقوشــات ،كلمــات وألــوان ،حيــث تركــت
و لكـن المتم ّعـن فـي باطـن الأشـياء آثارهـا علـى الفـن التشـكيلي مطلـع
يـدرك حت ًمـا أ ّنهـا توجـه نحـو نحـت القـرن العشـرين ،بسـبب مـا تحتويـه
مســيرة فنيــة وبحــث عــن طــرق يوميــات الرســام مــن ماحظــات
جديـدة مـن خـال جملـة مـن الرموز فلســفية وفنيــة كثيــرة ،والأعمــال
والعامــات والشــفرات المتخفيــة التـي عـاد بهـا ،وتلـك التـي أنتجهـا
بيــن طيــات الفضــاء .فبالرغــم مــن فــي أوروبــا مــن وحــي الزيــارة.
أن رحلــة هــذا الأخيــر إلــى تونــس فهـي بحـث عـن بقايـا الألـوان علـى
لــم تــدم إلا 11يو ًمــا ســنة 1914م جـدران البيـوت العتيقـة وفـي زوايـا
إلا أ ّنهـا كانـت كفيلـة بتغييـر مسـيرة الأحيـاء القديمـة ليسـجل مـا بقـي مـن
تجســيد ريشــته ،لاســيما تلــك التــي حيـاة فنـان.
96