Page 109 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 109
سقوط الخلافة الفاطمية
........................
وفي الوقت الذي شدد نور الدين محمود هجماته على الصليبيين بالشام ،كما
استولى على الموصل سنة 566هـ 1171 /م ،كانت هناك مشكلة كبرى لها
خطورتها تقلق بال نور الدين وصلاح الدين جميعاً .وأعني بهذه المشكلة – التي تطلبت
حلاً سريعاً حاسماً وضع الخلافة الفاطمية الشيعية تحت حماية قوة كبرى تدين بالمذهب
السني .فنور الدين محمود كان سنياً ،وازدادت علاقته قوة بالخلافة العباسية وتقديرها
له عقب استيلائه على الموصل .أما صلاح الدين في مصر فلم يكن أقل تحمساً للمذهب
السني لأنه كان شافعياً مخلصاً ،مما دفعه – منذ أن استتبت له الأمور في مصر – إلى
العمل على تدعيم المذهب السني في البلاد .هذا كله والخليفة الفاطمي في قصره عاجز
عن مقاومة الوضع الجديد .ومع ذلك يبدو أن صلاح الدين ظل متخوفاً من الإقدام على
الخطوة الكبرى الخاصة بإسقاط الخلافة الفاطمية .كما يبدو أن مخاوف صلاح الدين لم
يكن مرجعها قوة الشيعة في مصر ،بقدر ما كان التخوف من نوايا نور الدين .ذلك أن
صلاح الدين أخذ يحس في ذلك الدور بتغير شعور سيده نور الدين نحوه ،وأنه بات
يحسده على مكانته في مصر ،ويعمل حساباً لازدياد نفوذه في وادي النيل ،ولذلك رأي
صلاح الدين أن يبقى على الخلافة الفاطمية في صورتها الشكلية ليستطيع أن يستغلها
عند الحاجة ،إذا تأزم الموقف بينه وبين نور الدين.
وكان أن أخذ صلاح الدين يماطل سيده نور الدين عندما طلب منه الأخير القضاء
على الخلافة الفاطمية تحقيقاً للوحدة المذهبية في العالم الإسلامي .ولكن نور الدين لم
يعد يحتمل المماطلة ،فأرسل نهائياً في سنة 566هـ 1171 /م إلى صلاح الدين يأمره
بإحلال اسم الخليفة العباسي المستضئ محل اسم الخليفة الفاطمي العاضد في خطبة
الجمعة والزمه ذلك إلزاماً لا فسحة فيه .
وهكذا اضطر صلاح الدين إلى اتخاذ تلك الخطوة الخطيرة ،فتم الدعاء في أول
جمعة من عام 567هـ /سبتمبر 1171للخليفة العباسي المستضئ أمير المؤمنين ،
وحدث الانقلاب في هدوء دون أن ينتطح فيه عنزان على قول ابن الأثير ،ويقال أن
الخليفة العاضد الفاطمي توفى بعد ذلك الانقلاب بثلاثى أيام دون أن يسمع بزوال دولته
وسقوط خلافته ،لأن صلاح الدين عندما علم بمرضه أمر بإخفاء الخبر عنه .وبعد ذلك
اتخذ صلاح الدين عدة إجراءات حاسمة للقضاء على آثار الخلافة الفاطمية في مصر ،
ومن ذلك ما يرويه المقريزي أنه نزع المناطق الفضة التي كانت بمحاريب جوامع
القاهرة والتي كانت تحمل أسماء الخلفاء الفاطميين.
109