Page 108 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 108
وعندما علم صلاح الدين بتحركات الصليبيين ،ظن في أول الأمر أنهم سيقصدون
القاهرة عن طريق الشرقية ،كما فعل عمورى في حملاته السابقة .لذلك أسرع صلاح
الدين إلى تحصين بلبيس والقاهرة فضلاً عن الإسكندرية وييرها من المراكز الأمامية.
فلما اتجهت الحملة إلى دمياط وجد صلاح الدين نفسه في موقف حرج ،لاسيما وأنه
كان يخشى باستمرار نشوب ثورة ضده في الداخل نتيجة للاستياء من سياسته تجاه
خصيان القصر والجند السودان.
ومع ذلك ،فإن صلاح الدين ثبت للموقف وطلب النجدة العاجلة من نور الدين
فسير نور الدين العساكر إليه إرسالاً يتلو بعضها بعضاً .وفي الوقت نفسه كان تقى
الدين عمر – ابن أخي صلاح الدين – وخاله شهاب الدين ،قد استطاعا دخول دمياط ،
فواصل صلاح الدين إرسال الإمدادات إليهما عن طريق النيل ،مما جعل حصار
الصليبيين للمدينة يير تام .هذا إلى أن أهل دمياط المحاصرين استغلوا جريان تيار
النيل من الجنوب إلى الشمال وأطلقوا على سطح الماء أواني فخارية بها مواد مشتعلة
،أنزلت أبلذ الضرر بالأسطول البيزنطي ،فاضطر إلى الابتعاد عن لسان النيل
والمدينة.
ولم يلبث أن نفد تموين الأسطول واشتد القلق بعمورى نتيجة الأخبار التي بلغته
عن ازدياد هجمات نور الدين على الصليبيين بالشام .لذلك رفع عمورى الحصار عن
دمياط ،وعاد ومعه جيوشه إلى عسقلان في سنة 565هـ 1170 /م ترافقهم خيبة
الأمل ،في الوقت الذي لم يستطع بحارة السفن البيزنطية التحكم فيها بسبب اشتداد
الرياح ،مما أدى إلى يرق كثير منها.
ولاشك في أن فشل هذه الحملة الصليبية البيزنطية أدى إلى تدعيم مركز صلاح
الدين في مصر ،وجعل الخلافة الفاطمية تفقد آخر أمل ،تبقى لها في التخل من
قبضته القوية .وكان أن أرسل الخليفة العاضد الفاطمي – عقب انسحاب الصليبيين –
إلى نور الدين ،يرجوه سحب جنده الأتراك من القاهرة بحجة أنهم بثوا الرعب في
قلوب أهلها .ولكن نور الدين أرسل إليه يعتذر عن عدم إجابته إلى طلبه ،ويوضح له
أن بقاء أولهك الجند أمر ضروري لحماية مصر من خطر الصليبيين.
108