Page 103 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 103
وكان أن أتيحت الفرصة مرة أخرى لنور الدين محمود عندما أرسل إليه الخليفة
العاضد الفاطمي يشكو من استبداد شاور وظلمه .ولم يكن نور الدين في حاجة إلى
مزيد من التحري ضد شاور ،إذا كان في قلبه منه حزازة لكونه يدر بأسد الدين
شيركوه ،واستنجد عليه بالفرنج لذلك بادر نور الدين بإرسال حملة شيركوه الثانية
على مصر سنة 562هـ 1167 /م ،وكان بصحبة شيركوه في تلك المرة أيضاً ابن
أخيه صلاح الدين .ويبدو أن شيركوه عمل حسابا لاستنجاد شاور بالصليبيين ،فلم يشأ
أن يغامر بقواته في القيام بهجوم على القاهرة ،واختار أن يعبر النيل إلى الجيزة حيث
عسكر في مواجهة الفسطاط على الضفة الغربية للنيل ،وعندئذ أخذ الخليفة الفاطمي
يدرك أن خطر قوات نور الدين عليه وعلى خلافته لا يقل عن خطر شاور والصليبيين.
وقد صح ما توقعه شيركوه ،إذ استنجد شاور بعمورى الأول ملك بيت المقدس الذي
أسرع في نهاية سنة 562هـ 1167 /م ليغزو مصر بجيوشه للمرة الثالثة .وعندما
علم شاور بوصول حلفائه خف لاستقبالهم عند بلبيس واتجه معهم حيث عسكروا على
الضفة الشرقية للنيل ،في حين كان شيركوه لا يزال معسكراً على الضفة الغربية .وفي
هذه المرة أراد الصليبييون أن يعقدوا اتفاقية مع شاور تضمن لهم أجرهم قبل أن
يساعدوه في محاربة شيركوه ،فتعهد لهم شاور بدفع أربعمائة ألف دينار في حالة
بقائهم حتى طرد شيركوه من مصر ،على أن يدفع نصف هذا المبلذ مقدماً .ومن
الواضح أن هذه الاتفاقية جعلت من الصليبيين حماة مصر والخلافة الفاطمية .ولذلك
رحب بها الصليبيون ،وحرص عمورى الأول على إعطائها صفة رسمية .فأرسل
سفارة إلى الخليفة الفاطمي زارته في قصره حيث تم اعتماد الاتفاق.
ولم تلبث أن أخذت قوات عمورى وشاور تستعد لعبور النيل لمهاجمة شيركوه ،بل
أنهم عبروا فعلاً إلى جزيرة الروضة ،وعندئذ أدرك شيركوه حرج موقفه فاتجه إلى
الصعيد حيث لحق به عمورى الأول وشاور .وكان أن دارت معركة بين الطرفين قرب
الأشمونين في المنيا ،وهي معركة البابين 562هـ /مارس 1167م التي اشترك فيها
صلاح الدين ،والتي انتهت بانتصار شيركوه وارتداد عمورى حيث عسكر على الضفة
الشرقية للنيل قرب الفسطاط .وكان من المحتمل أن ينجح شيركوه في امتلاك القاهرة
لو اقتفى أثر عمورى في الحال ،ولكنه تباطئ وآثر أن يسير على الضفة الغربية للنيل
ليحتل الإسكندرية التي تلقاه أهلها طائعين ورحبوا به معبرين عن استيائهم من
تحالف شاور مع الصليبيين.
ويبدو أن شيركوه خاف أن يحصره الصليبيون ومعه جميع قواته داخل الإسكندرية
،فترك صلاح الدين في الإسكندرية ترافقه قوة صغيرة ،في حين اتجه شيركوه نفسه
إلى الصعيد وسيطر عليه .وقد حدث ما توقعه شيركوه إذ خرج عمورى لحصار صلاح
103