Page 101 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 101
وفي أوائل سنة 557هـ 1162 /م توج عمورى الأول ملكاً على مملكة بيت
المقدس الصليبية ،فكان ذلك بداية مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بين الصليبيين
ومصر .ذلك أن عمورى الأول اتصف بالشجاعة والجرأة والدهاء ،وهي صفات أجمع
على وصفه بها المؤرخون المعاصرون من المسلمين والمسيحيين سواء .وقد أدرك
عمورى أن سيطرة نور الدين محمود على حلب وحماه وحم ودمشق قد حالت دون
توسع الصليبيين في شمال الشام .وأن الطريق الطبيعي الذي بقى مفتوحاً أمام
الصليبيين هو طريق مصر.
وكانت الدولة الفاطمية في ذلك الوقت تقاسى آلام الموت البطئ ،بعد أن انحلت
الخلافة وفقدت هيبتها واختلت أحوال مصر الداخلية .ولا أدل على انحلال الدولة
الفاطمية عندئذ من نهاية كثير من الخلفاء بالقتل فضلاً عن تحكم الوزراء العظام في
شهون الدولة والخلافة جميعاً .وقد حدث أن مات الخليفة الظافر مقتولاً سنة 549هـ/
1154م ،فاستبد بالأمور في مصر الوزير طلائع بن رزيك – الأرمني الأصل .وكان
الخليفة الفائز – ابن الظافر – طفلا صغيراً لا يمتلك من الخلافة إلا لقبها .وعندما توفى
الفائز وهو في الحادية عشر من عمره سنة 555هـ 1160 /م أقام طلائع في الخلافة
الخليفة العاضد الذي كان هو الآخر صغيراً في السن ،مما مكن الوزير من اللهو
بالخلافة واستعراض المرشحين لها استعراض الغنم على حد قوله .ولم يلبث أن
أحس الخليفة العاضد بثقل ذلك الكابوس ،فدبر مؤامرة مع الأمراء لقتل بن رزيك
ونجحت المؤامرة سنة 556هـ1161 /م ،فخلف ابن رزيك في منصب الوزارة ابنه
العادل ،حتى قتله شاور حاكم الصعيد وتولى الوزارة بدله سنة 558هـ 1163 /م .ثم
كان أن استبد شاور وساءت سيرته ،فخرج عليه ضريام واشتد التنافس بين الرجلين
،في الوقت الذي أخذ عمورى الأول ملك بيت المقدس يتطلع لغزو مصر.
وقد قام عمورى بغزو مصر سنة 558هـ 1163 /م فوصل إلى بلبيس وحاصرها
،ولكن ضريام أريمه على الانسحاب ،في الوقت الذي كان شاور قد لجأ إلى نور
الدين محمود بالشام ،واطمعه في الديار المصرية .وكانت يزوة عمورى لمصر قد
أفزعت نور الدين لأنها كشفت عن نيات الصليبيين في امتلاك وادي النيل ،ولذلك رأى
نور الدين أن يسرع بإرسال جيوشه إلى مصر لحمايتها من السقوط في أيدي
الصليبيين.
وقد أرسل نور الدين حملته الأولى إلى مصر سنة 559هـ 1164 /م بقيادة أسد
الدين شيركوه وبصحبته شاور وصلاح الدين – ابن أخي شيركوه – وكان في السابعة
والعشرين من عمره .وهنا استنجد ضريام بالصليبين ،وتعهد لعمورى الأول – مقابل
مساعدته – أن يعقد معه معاهدة تصبح مصر بمقتضاها تابعة للصليبين .ولكن مهارة
101