Page 97 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 97
الدولة الفاطمية كان لديها من مشايلها الخارجية والداخلية الشئ الكثير ،أدركنا في
النهاية السر في عدم ثبات النفوذ الفاطمي في بلاد الحجاز.
والواقع إن المتتبع للنفوذ الفاطمي في بلاد الحجاز يخرج بحقيقة هامة هي أن هذا
النفوذ كان يستقر حينا ويتزعزع أحياناً .ذلك أنه حدث بعد وفاة الخليفة المعز لدين الله
الفاطمى سنة 365هـ 976 /م أن خرج الحجاز من قبضة الخليفة العزيز ،الذي أوفد
أحد رجاله المغاربة – وهو باديس ابن زيرى الضهاجي – أميراً على الحج سنة 367
هـ 978 /م ،فتمكن هذا الأمير من إحياء النفوذ الفاطمي في الحجاز مرة أخرى ،
ودعى للخليفة العزيز على المنابر في مكة والمدينة .هذا وإن كان الحجاز قد خرج مرة
أخرى عن نفوذ الفاطميين ودخل في فلك العباسيين ،الأمر الذي اضطر العزيز إلى
إرسال حملة سنة 380هـ 990 /م تمكنت من إعادة الخطبة له في مكة والمدينة ،بدلاً
من عضد الدولة بن بويه صاحب السيادة الفعلية على الخلافة العباسية.
وهكذا ظل الحجاز كالكرة تتلاقفه أيدي الخلافتين الفاطمية والعباسية ،وفي الحجاز
بالذات كان التنافس على أشده بين نفوذ هاتين الخلافتين الإسلاميتين .ولم يلبث أن أدى
ضعف الخلافتين الفاطمية والعباسية في القرن الخامس الهجري ،إلى إيراء بع
أمراء الحجاز على الاستقلال عنهما جميعاً .من ذلك أن أبا الفتوح الحسن بن جعفر
أمير مكة أعلن خروجه على الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي سنة 400هـ 1009 /م
واتخذ لنفسه لقب الخلافة وتلقب بالراشد بالله .وإذا كان الحاكم قد تمكن من القضاء
على هذه الحركة وإعادة الأمير أبي الفتوح إلى طاعته ،فإن سلاح الحاكم في ذلك كان
الرشوة وإرسال الموال ،وهذا سلاح الضعيف يير القادر.
وأخيراً ظهر ضعف الدولة الفاطمية واضحاً في عهد الخليفة المستنصر بالله – كما
مر بنا ، -وعندئذ أخذ نفوذ الفاطميين يهتز بشدة في العالم الخارجي ،وخاصة في
الحجاز ،ويتضح ذلك من موقف محمد بن جعفر رئيس الهواشم الذي استولى على
إمارة مكة سنة 454هـ 1062 /م ،وذلك أن محمد بن جعفر خطب أولا للخليفة
المستنصر الفاطمي ،ثم خطب لبني العباس سنة 458هـ 1066 /م وعندئذ قطع
المستنصر الميرة والغلال التي كانت ترسل من مصر إلى الحجاز ،الأمر الذي وضع
محمد بن جعفر في موقف حرج أمام أهل الحجاز ،فاضطر إلى إعادة الخطبة
للمستنصر بالله الفاطمي ،حتى بذل له الخليفة القائم العباسي الأموال ،فخطب له سنة
462هـ 1070 /م في موسم الحج فقط على حد تعبير القلقشندي ،وكتب
المستنصر بمصر يعتذر له .ولم يلبث السلطان الب أرسلان أن أرسل سنة 463هـ
1071 /م أموالاً إلى الأمير محمد بن جعفر فدعا لسلطان السلاجقة .
97