Page 93 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 93

‫ولا أدل على عدم فهم الفاطميين لحقيقة الحركة الصليبية في دورها الأول ‪ ،‬من أنه‬
‫عندما سمع الوزير الأفضل بوصول الصليبيين إلى أطراف الشام سنة ‪ 490‬هـ ‪/‬‬
‫‪1097‬م ‪ ،‬فإنه أرسل إليهم أمام أنطاكية يدعوهم إلى الاتفاق بحيث تكون أنطاكية‬

                                                ‫للصليبيين وبيت المقدس للفاطميين‪.‬‬

‫ولم يلبث أن أفاق الفاطميون وتنبهوا لحقيقة الخطر الصليبي عندما رأوا جموع‬
‫الصليبيين لا تكتفي بالاستيلاء على أنطاكية وإنما أخذت تويل في بلاد الشام لتلتهم‬
‫المدن والحصون وتؤسس الإمارات ‪ ،‬حتى أنهم استولوا على بيت المقدس ذاتها ‪ ،‬التي‬

                                   ‫كان الفاطميون قد استردوها من السلاجقة أخيراً‪.‬‬

‫وكان أن خرج الأفضل بنفسه على رأس الجيش الفاطمي إلى بلاد الشام لدفع‬
‫الصليبيين ‪ ،‬ولكن الهزيمة حلت بالأفضل وجيشه عند عسقلان في أيسطس سنة ‪492‬‬
‫هـ ‪1099 /‬م ‪ ،‬واستطاع الأفضل النجاة بصعوبة ‪ ،‬فركب مركباً في البحر قاصداً‬
‫شواطئ مصر‪ .‬وساعد هذا الانتصار الصليبيين على تثبيت أقدامهم في فلسطين‬
‫وتوسيع نفوذهم ‪ ،‬فاستولوا على أرسوف وقيسارية ودخل حكام عسقلان وعكا تحت‬

                                                                          ‫طاعتهم‪.‬‬

‫وريم سوء أوضاع الدولة الفاطمية فقد بادر الوزير الأفضل بإرسال ثلاث حملات‬
‫كبيرة إلى فلسطين سنة ‪ 496‬هـ ‪ 497 ،‬هـ ‪ 499 ،‬هـ (‪1103‬م ‪1104 ،‬م ‪،‬‬
‫‪1106‬م) ‪ ،‬ولكن الحملات الثلاث منيت بالفشل الذريع نتيجة لسوء التنظيم والخلاف‬
‫بين القادة وعدم التعاون بين الأسطول الفاطمي والجيوش البرية ‪ ،‬وكلها عيوب تشهد‬
‫على مدى انحلال الإدارة الفاطمية في ذلك الوقت‪ .‬وإذا كانت هناك نتائج لفشل حملات‬
‫الأفضل ضد الصليبيين ‪ ،‬فإن أهم هذه النتائج تمكين الصليبيين من الاستيلاء على بقية‬
‫موانئ الشام ومدنه الجنوبية مثل صيدا وبيروت ‪ ،‬ثم تطلع الصليبيين إلى مصر ذاتها‬
‫وطمعهم في الاستيلاء عليها ‪ ،‬بعد أن ثبت عجز الدولة الفاطمية‪ .‬وهكذا استولى‬
‫بلدوين الأول ملك بيت المقدس الصليبي على وادي عربة ووصل إلى أيلة على البحر‬
‫الأحمر ‪ ،‬ثم اخترق شبه جزيرة سيناء ‪ ،‬وأويل في أرض مصر حتى تنيس جنوبي‬

                                    ‫بحيرة المنزلة ‪ ،‬حيث مات نتيجة لمرض مفاجئ‪.‬‬

‫وبعد ايتيال الوزير الأفضل سنة ‪ 515‬هـ ‪1121 /‬م حاول الخليفة الآمر الفاطمي‬
‫أن يكسب الرأي العام في العالم الإسلامي ‪ ،‬فحشد حملة كبيرة في عسقلان سنة ‪517‬‬
‫هـ ‪1123 /‬م لمهاجمة الصليبيين‪ .‬ولكن الهزيمة حلت ساحقة بالجيوش الفاطمية ‪،‬‬
‫الأمر الذي جعل الخليفة الآمر الفاطمي يجنح إلى مسالمة الصليبيين‪ .‬وقد اعتاد‬
‫الصليبيون أن يحققوا كسباً جديداً عقب كل هزيمة يلحقونها بالجيوش الفاطمية ‪،‬‬

                                              ‫‪93‬‬
   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98