Page 94 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 94

‫فاستولوا هذه المرة على صور سنة ‪ 518‬هـ ‪1124 -‬م بعد أن حاصرتها أساطيل‬
                                             ‫البندقية وأشرف أهلها على الهلاك ‪.‬‬

‫ولم يرض المتحمسون للجهاد عن ذلك الوضع الذي انتهى إليه أمر المسلمين ‪،‬‬
‫فجاهروا بحنفهم على البيت الفاطمي وسياسته ‪ ،‬وعمت مصر فترة من الاضطرابات‬
‫ولى فيها الوزارة أحمد بن الوزير الأفضل ‪ ،‬ثم يانس الأرمني ‪ ،‬ثم بهرام الأرمني الذي‬
‫شجع – بوصفه مسيحياً – سياسة التعايش السلمي مع الصليبيين بالشام ‪ ،‬وأخذ‬
‫يضطهد أنصار حركة الجهاد‪ .‬ولكن هذا الوضع استثار المسلمين داخل مصر وخارجها‬
‫‪ ،‬فقامت حركة بزعامة رضوان ابن الولخشى الذي خطب في جماهير الشعب خطبة‬
‫بليغة حرض الناس فيها على الجهاد ‪ ،‬الأمر الذي أدى إلى فرار بهرام وقيام‬

                          ‫رضوان بن الولخشي في الوزارة سنة ‪ 531‬هـ ‪1137 /‬م‪.‬‬

‫والحق إن الوزير رضوان بن الولخشى كان شديد التحمس لجهاد الصليبيين ‪،‬‬
‫فأنشأ ديواناً جديداً أسماه ‪ ،‬ديوان الجهاد ‪ ،‬وأخذ يضطهد الأرمن ويقصيهم عن‬
‫مناصب الدولة‪ .‬وعندما وجد الوزير رضوان بن الولخشى أن الخليفة الحافظ الفاطمي‬
‫يكيد له سراً ‪ ،‬ويتصل بالأرمن للقضاء عليه ‪ ،‬فر ابن الولخشى إلى الشام ليستعين‬
‫ببطل كبير من أبطال الجهاد في القرن الثاني عشر للميلاد ‪ ،‬هو عماد الدين زنكى آتابك‬
‫حلب‪ .‬وريم المعونة التي حصل عليها ابن الولخشى من عماد الدين زنكى ‪ ،‬فإنه لم‬
‫يستطع عند عودته إلى مصر التغلب على جيوش الخليفة الفاطمي ‪ ،‬وانتهى الأمر بقتله‬

                                                          ‫سنة ‪ 534‬هـ ‪1140 -‬م‪.‬‬

‫وهكذا ظهر عجز الدولة الفاطمية عن مدافعة الصليبيين الذين ازداد طمعهم في‬
‫الاستيلاء على تلك الدولة المريضة المتداعية‪ .‬ويشهد تاريخ الدولة الفاطمية في ذلك‬
‫الدور على مدى انحلالها وضعفها وعجز خلفائها عن الحركة في أي اتجاه‪ .‬وإذا كان‬
‫الفاطميون قد اتخذوا عسقلان في جنوب فلسطين قاعدة لجيوشهم وأساطيلهم لتهديد‬
‫أعدائهم ‪ ،‬فإن الصليبيين استولوا على عسقلان سنة ‪ 548‬هـ ‪1153 -‬م وبذلك حرم‬
‫الفاطميون من تلك القاعدة ‪ ،‬في حين أتم لاصليبون بسط سيطرتهم على ساحل الشام‬

    ‫وفلسطين بأجمعه من اسكندرونه في شمال الشام حتى يزة وعسقلان في الجنوب‪.‬‬

‫وفي النزاع الذي شب بين شاور وضريام حول منصب الوزارة منذ سنة ‪ 558‬هـ‬
‫‪1163 /‬م استعان كل طرف من الطرفين المتنازعين بقوة خارجية ‪ ،‬فاستعان ضريام‬
‫بالصليبيين واستعان شاور بنور الدين محمود بن عماد الدين زنكي ‪ ،‬الذي كان قد‬
‫استولى على دمشق‪ .‬وبذلك يدت مصر مسرحاً لتنافس خطير وقتال طويل بين جيوش‬
‫الصليبيين ونور الدين محمود ‪ ،‬وهو القتال الذي انتهى بسيطرة قوات نور الدين على‬

                                     ‫مصر ثم القضاء على الخلافة الفاطمية نفسها ‪.‬‬

                                              ‫‪94‬‬
   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98   99