Page 95 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 95
سياسة الفاطميين الخارجية وعلاقاتهم بدول الجوار
.....................................................
قامت الدولة الفاطمية في شمال أفريقية ،ثم استقرت في مصر ،وبذلك احتلت
مكاناً وسطا بين الجناحين الآسيوي والإفريقي للعالم الإسلامي ،مما أتاح لها قدراً
كبيراً من النشاط في العلاقات الخارجية مع عديد من القوى الإسلامية في بلاد الشام
والعراق والأندلس والمغرب ،فضلاً عن القوى الأوربية المسيحية المطلة على البحر
المتوسط والتي ربطتها بالدولة الفاطمية علاقات عدائية أو ودية .ولا يخفى علينا أنه
أتى على الدولة الفاطمية حين من الدهر بدت فيه القوة الإسلامية الكبرى في حوض
البحر المتوسط ،مما جعلها تصطدم بالقوى الكبرى المنافسة في العالمين الإسلامي
والمسيحي ،في حين أخذت بع القوى الصغرى تخطب ودها وتطمع في حمايتها.
واتسع نطاق العلاقات الخارجية للدولة الفاطمية بعد أن أرست قواعدها في مصر
بالذات وذلك بحكم ما لمصر من موقع جغرافي ذي أهمية خالدة في التاريخ .وهنا
نلاحظ فارقاً واضحاً بين ما كانت عليه الدولتان الطولونية والإخشيدية وما صارت فيه
الدولة الفاطمية .فإذا نحن ذكرنا أن كلا من أحمد بن طولون ومحمد بن طغج الإخشيد
قد أقام بناء دولة مستقلة في مصر ،فإنه ينبغي أن نلاحظ دائماً أن استقلال الدولتين
الطولونية والإخشيدية عن الخلافة العباسية لم يتخذ صفة قاطعة لها صورة الاستمرار
،وإنما كان هذا الاستقلال تقوي مظاهره حينا وتضعف أحياناً .حتى في الأوقات التي
تدهورت العلاقات بين الخلافة العباسية من ناحية وبنى طولون أو بني الإخشيد من
ناحية أخرى ،لم يخل الأمر من خيوط واهية – قد لا تبدو للباحث – تربط كلا من هاتين
الدولتين بالدولة الأم .وعلى هذا الأساس ظلت الدولتان الطولونية والإخشيدية تبدو أن
في صورة فصلين أو وليدين تدفعهما الظروف إلى الاقتراب من الخلافة الأم أو الابتعاد
عنها ،ولكنهما كانا يحسان دائماً – ويحس معهما العالم المعاصر – بالحقيقة الواقعة ،
وهي أنه مهما يبتعد الابن عن أمه فإنه لا يستطيع أن يتنكر للصلة الجذرية بين
الطرفين.
أما الدولة الفاطمية التي اتخذت مصر مركزاً لها فكان استقلالها من نوع آخر يير
استقلال كل من الدولتين الطولونية والإخشيدية .أن الدولة الفاطمية لم تولد في حجر
الخلافة العباسية مثلما ولدت الدولتان الطولونية والإخشيدية ،ولم يعترف الفاطميون
في يوم ما بتبعية فعلية وإسمية للخلافة العباسية ،بل لقد قامت الدعوة العلوية في
العصر العباسي في أساسها على مبدأ محاربة العباسيين والثأر منهم .ومن هنا كان
استقلال الدولة الفاطمية تاما كاملاً ،الأمر الذي جعل نشاطها في ميدان السياسية
95