Page 91 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 91
ويلاحظ أن كثيراً من هؤلاء الوزراء كانوا من عناصر متباينة وأصول يير
متجانسة ،فبدر الدين الجمالي وأولاده أصلهم أرمني .وإذا كان بدر الدين الجمالي
وأبنائه مسلمين فإن الوزير أبو المظفر بهرام الذي ولى الوزارة سنة 529هـ -
1135م في عصر الخليفة الحافظ الفاطمي كان مسيحياً أرمينياً انتخبه الجند لمنصب
الوزارة .والوزير العباس بن أبي الفتوح ابن تميم كان أميراً من بني زيري .وشيركوه
وابن أخيه صلاح الدين كانا من الأكراد ،وظهر أثر هذا التباين في اضطراب سياسة
مصر الداخلية والخارجية سواء.
ففي الداخل استمرت الحالة الاقتصادية تزداد سوءاً في أواخر عهد المستنصر وفي
عهد المستعلى .وكان المستنصر قد ولى ابنه نزار العهد ولكن الوزير الأفضل حقد على
نزار فحرمه من الخلافة بعد أبيه ،وعين في الخلافة المستعلى بن المستنصر .وأدى
ذلك إلى صراع بين نزار وأخيه المستعلى ،انتهى بانتصار الأخير ،فقب الأفضل
على نزار ووضعه بين حائطين وبني عليه فمات .وكان أن تألم البع للمصير الذي
انتهى إليه نزار ،فدعوا له بوصفه أكبر أبناء المستنصر ،وقالوا أنه الإمام المستور
وأنه سيعود ،وانتقلت هذه الدعوة الجديدة إلى إيران على يد الحسن الصباح ،وبذلك
انقسمت الدعوة الفاطمية إلى قسمين المستعلية والنزارية.
حقيقة إن الخلافة الفاطمية ظلت أيام ضعفها وانحلالها تحرص على الاحتفاظ
بمظاهر عظمتها السالفة ،فالمواكب مستمرة والاحتفالات دائمة والرسوم قائمة ،ولكن
هذه المظاهر كلها لم تعد تخفي بذور الانحلال التي أخذت تنمو وتترعرع في جوف
الدولة ،ولم تعد تخفي عوامل السخط والنقمة التي أخذت تسري بين الخاصة والعامة
سواء ،ومن أسباب سخط الناس فى تلك العصور هو أن يتولى منصب الوزارة – مع
خطورته – رجل أرمني مسيحي هو بهرام الأرمني الذي صادر عامة من بالديار
المصرية ،من كاتب وحاكم وجندي وعامل وتاجر ،وامتدت يده إلى الناس على
اختلاف طبقاتهم! بل لقد بلذ الأمر بذلك الوزير أن فتح أبواب مصر أمام بني جنسه
من الأرمن المسيحيين فوفدوا من تل باشر وأرمينية حتى بلذ عددهم ثلاثين ألفاً ،
وهؤلاء لم يكتفوا بالسيطرة على اقتصاديات البلاد ومصادرة أموال أهلها من المسلمين
،بل أخذوا يبالغون في بناء الكنائس والتوسع في إقامة الأديرة ،مما أقلق بال
المسلمين ،فرفعوا أصواتهم إلى الخليفة شاكين متظلمين!!
فإذا جره أحد الخلفاء الفاطميين عندئذ على الوقوف في وجه وزيره ومحاولة الحد
من سلطانه ،تتطور الموقف إلى صراع خفي – ثم علني – قد ينتهي بقتل الوزير
والخليفة جميعاً ،كما حدث للوزير ابن السلار والخليفة الظافر الفاطمي سنة 548هـ -
1153م .ولا أدل على ازدياد نفوذ الوزراء العظام على حساب سلطان الخلافة
91