Page 102 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 102
شيركوه وسرعته في قطع الصحراء ريم تقدم سنه جعلته يسبق الصليبيين في
الوصول إلى الدلتا ،فانتصر على جيش أرسله ضريام ،ونجح في الوصول إلى
القاهرة في بداية مايو سنة 559هـ 1164 /م ولم يلبث أن تخلى عن ضريام جميع
الأعوان والناس والجيش والخليفة ،فقتل أثناء محاولته الفرار وتولى شاور الوزارة.
على أن شاور لم يرع العهود التي قطعها على نفسه لنور الدين ،فلم يكد يتولى
الوزارة حتى تنكر لأسد الدين شيركوه وطلب منه الخروج من مصر ،وقد رد شيركوه
على تصرفات شاور يير الودية باحتلال بلببيس والشرقية ،مما جعل شاور يحاكي
سلفه ضريام ،فاستنجد بالصليبيين ووعد عمورى الأول بإعطائه مبلغاً كبيراً من
المال مقابل مساعدته .وسرعان ما حضر عمورى الأول على رأس جيش صليبي كبير
إلى الدلتا ،وعندئذ أخذ شيركوه يقوي مركزه في بلبيس بعد أن تلقى مساعدات من
عرب كنانة بالشرقية .وعندما أخذت جيوش عمورى وشاور تحاصر شيركوه في
بلبيس ،تم الاتفاق على أن يغادر شيركوه وعمورى مصر ،وتم ذلك فعلاً في أواخر
سنة 559هـ1164 /م .وربما كان عمورى الأول أكثر تلهفاً على العودة إلى الشام بعد
أن انتهز نور الدين محمود فرصة ييابه وشدد هجماته على الصليبين.
شيركوه يعود مرة أخرى إلى مصر سنة 562هـ 1167 /م
............................................................
ولكن إذا كانت جيوش نور الدين والصليبيين قد انسحبت جميعها من مصر سنة
559هـ 1164 /م إلا أن الطرفين خرجا من تلك التجربة بفكرة واضحة عن ثروة
مصر ويناها مع ضعفها الشديد .وتتفق المراجع العربية في أن شيركوه لم يغادر مصر
سنة 559هـ 1164 /م إلا مكرها وأنه ما فتئ يذكر مصر عقب عودته إلى بلاد الشام
ويرجو أن يعود إليها مرة ثانية .ولكن نور الدين محمود كان حريصاً دائماً على عدم
تشتيت قواته ،في الوقت الذي كثرت الاشتباكات بينه وبين الصليبيين بالشام.
ولا يخفى علينا أن هناك سبب قوى ربما حرك عند نور الدين الريبة في يزو
مصر ،وأعني بذلك العامل المذهبي .ذلك أن الخلافة الفاطمية في مصر كانت مصدراً
من مصادر الفرقة في العالم الإسلامي ،لأنها جعلت ولاء المسلمين في الشرق الأدنى
تتقاسمه خلافتان ومذهبان ،إحداهما الخلافة العباسية السنية في بغداد والأخرى
الخلافة الفاطمية الشيعية في القاهرة .لذلك كان من الطبيعي أن يتجه نور الدين – وهو
الحاكم السني الحري على تدعيم الجبهة الإسلامية المتحدة وجعلها تمتد من النيل إلى
الفرات – إلى التفكير في القضاء على الخلافة الفاطمية في القاهرة.
102