Page 106 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 106
ظهور صلاح الدين
...................
كان جيش شيركوه في مصر يضم جماعة من أكابر الأمراء النورية الذين تطلعوا
جميعاً إلى منصب الوزارة عقب وفاة شيركوه ،ولكن المراجع المعاصرة تؤكد أن
الخليفة العاضد الفاطمي أصر على اختيار صلاح الدين للوزارة ،ولما تمنع ألزم به
وأحضر إلى القصر وخلعت عليه خلع الوزارة وربما ظن العاضد الفاطمي أن صغر
سن صلاح الدين وعدم خبرته ستجعله أداة سهلة في يد الخليفة ،يستعين به في
القضاء على بقية أمراء نور الدين في مصر ،وبذلك يكون قد تخل من نفوذ نور
الدين وخطر شاور جميعاً.
ولكن صلاح الدين لم يكد يتولى الوازرة حتى خيب ظن الخليفة الفاطمي ،فشرع
في استمالة الناس إليه بما بذله من أموال كان شيركوه قد جمعها فمال الناس إليه
وأحبوه ،وضعف أمر العاضد ثم أن صلاح الدين أخضع مماليك شيركوه وسيطر
سيطرة تامة على الجند ،في الوقت الذي أمده نور الدين محمود بقوة جديدة من
العسكر فيها شمس الدولة توران شاه أخو صلاح الدين .وبفضل ذلك كله تمكن صلاح
الدين من القضاء على قوة الجند السودان الذين كانوا آخر سلاح اعتمد عليه الخليفة
العاضد الفاطمي.
وكان البلاط الفاطمي في ذلك الوقت مركزاً لكثير من الفتن والمؤامرات ،ولا يحجم
رجاله عن الاستعانة بالأعداء في سبيل تحقيق مصالح خاصة مؤقتة .من ذلك أن رئيس
بلاط قصر الخليفة العاضد – وكان خصياً نوبياً اسمه مؤتمن الخلافة – استاء من
صلاح الدين عندما ثقلت وطأته على أهل القصر ،فدبر مؤامرة للخلاص منه ،وحاول
أن يتصل بعمورى الأول والصليبيين للحصول على معونتهم .ولكن رسالة مؤتمن
الخلافة إلى عمورى وقعت في يد صلاح الدين ،الذي رأى أن يستأصل الشر من
جذوره ويقضي على أية محاولة للعودة إلى سياسية ضريام وشاور ،فقتل مؤتمن
الخلافة فوراً في سنة 564هـ 20 /أيسطس سنة 1169م .
ثم لجأ صلاح الدين إلى إبعاد جميع الخدم (الخصيان) السودان عن قصر الخلافة
الفاطمية ،الأمر الذي أثارهم ،فقاموا بثورة كبيرة في الفسطاط بعد أن تجمعوا فبلذ
عددهم خمسين ألفاً .وقد اضطر صلاح الدين لإخماد هذه الثورة إلى إشعال النار في
محلتهم التي اعتصموا فيها ،فطلبوا الأمان في أواخر أيسطس سنة 564هـ /
1169م وانتقلوا إلى الجيزة على الضفة الغربية للنيل .ولكن صلاح الدين أرسل إليهم
أخاه توران شاه في طائفة من العسكر فأبادهم بالسيف .وكذلك فعل صلاح الدين
بحرس الخليفة الأرمن ،إذ أشعل النار في ثكناتهم وقب عليهم حتى لا يعطيهم فرصة
106