Page 104 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 104
الدين بالإسكندرية ،فساءت حالة المدينة وقل الطعام بها حتى تحرج موقف صلاح
الدين الذي لم يكن معه أكثر من ألف جندي .وقد أرسل صلاح الدين إلى عمه بالصعيد
يشرح له سوء موقفه ،ويطلب منه النجدة العاجلة ،فاضطر شيركوه إلى العودة شمالاً
في أواخر سنة 562هـ 1167 /م .ويبدو أن شيركوه أدرك في تلك المرحلة حرج
موقفه ،فأرسل إلى الصليبيين يطلب الصلح ،وتم الاتفاق – مثل المرة السابقة – على
تبادل الأسرى ،وعلى أن يترك الطرفان مصر لينعم بها شاور من جديد.
وليس هناك من شك في أن الذي شجع عمورى على قبول طلب الصلح هو
إحساسه بسوء موقف الصليبيين بالشام في ذلك الوقت ،تحت ضغط هجمات نور الدين
محمود .ولكن إذا كان عمورى قد يادر مصر فعلاً ،فإنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن حقق
نوعا من السيادة الصليبية على شاور والخلافة الفاطمية جميعاً .وأهم مظاهر هذه
السيادة هي تعهد الفاطميين بدفع جزية سنوية للصليبيين قدرها مائة ألف دينار ،
وبقاء قوة صليبية تحمي أبواب القاهرة ،فضلاً عن تعيين مندوب للملك الصليبي في
القاهرة يكون له رأى مسموع في شهون الحكم.
مصر تحت سيطرة نور الدين
...........................
على أنه إذا كان عمورى الأول قد خرج من مصر مضطراً سنة 562هـ 1167 /م
فليس معنى ذلك أنه تخلى عن فكرة الاستيلاء عليها ،لاسيما وأن تردد الصليبيين على
مصر في المرات السابقة أدى إلى أن اطلعوا على عوراتها وطمعوا فيها على قول
المؤرخ أبي المحاسن .وقد أدرك عمورى الأول أنه في حاجة إلى مساعدة قوة خارجية
تمكنه من الاستيلاء على مصر ،فتحالف مع الإمبراطورية البيزنطية ،وتم الاتفاق
على أن تقوم القوات الصليبية البيزنطية بغزو مصر .ويبدو أن الإمبراطور البيزنطي
كان مشغولاً في البلقان عندئذ ،فطلب إمهاله بع الوقت لينفذ اتفاقيته مع عمورى
ضد مصر ،ولكن عمورى لم يشأ الانتظار وانفرد بالهجوم على أرض النيل .أما السبب
الذي جعل عمورى يسرع بالهجوم ،فكان تنكر شاور لالتزاماته للصليبيين وعدم وفائه
بتعهداته ،بل إن شاور اضطر تحت ضغط الرأي العام الإسلامي إلى أن يقلب سياسته
رأساً على عقب ،فاتصل بنور الدين محمود طالباً مساعدته للتخل من الحماية
الصليبية.
وعندما يزا عمورى مصر للمرة الرابعة سنة 564هـ 1169 /م لمس انقلاباً
كبيراً في موقف السلطات الحاكمة ،إذ تم مقاومته فى بلبيس واضطر إلى استخدام
العنف للاستيلاء عليها ،ثم تقدم مسرعاً صوب القاهرة .وكان أن لمس شاور حرج
104