Page 12 - merit 50
P. 12

‫العـدد ‪50‬‬   ‫‪10‬‬

                                                        ‫فبراير ‪٢٠٢3‬‬

‫وإذا كانت للمنهجية الاجتماعية أن تصل بالناقد إلى‬           ‫وبسبب ما في مؤلفاته من العلمية والأهمية نالت‬
‫هذه التحصيلات العلمية‪ ،‬فان الجدة التي كان عليها‬               ‫شهرة بين الدارسين‪ ،‬فكثر طبعها حتى فاقت‬
‫د‪.‬شوقي ضيف جعلته يصل إلى استقراءات سابقة‬
                                                         ‫أرقام طبعاتها المعتاد في المؤلفات العربية‪ .‬وتوزعت‬
       ‫لعصرها‪ ،‬وأعني بذلك ما قدمه من حفريات‬                 ‫ميادين مؤلفاته بين الدراسات القرآنية والكتب‬
          ‫معرفية في مسائل ذات أنساق اجتماعية‬
           ‫مبطنة وبعيدة عن أعين الباحثين آنذاك‪،‬‬            ‫النقدية التي دارت حول شعراء قدماء ومحدثين‪،‬‬
                ‫وهي اليوم تشكل مدار الدراسات‬                             ‫ومسائل تتعلق بالبحث والبلاغة‪.‬‬
                 ‫الثقافية التي أساسها التداخل في‬
                  ‫التخصصات وتعدد المنهجيات‪.‬‬               ‫ومن الأمثلة الدالة على دقة شوقي ضيف المنهجية‬
                    ‫وأول تلك الحفريات ما وجده‬                  ‫في تتبع الظواهر الاجتماعية ومدى أثرها في‬
                        ‫شوقي ضيف من انفتاح‬                    ‫مسارات الأدب‪ ،‬كتابه (تاريخ الأدب العربي)‬
                    ‫كبير شهده العصر العباسي‪،‬‬                  ‫بأجزائه الأربعة‪ ،‬ومنها الجزء الثالث المعنون‬
                       ‫وبسببه تمازجت الثقافات‬
                   ‫وتعمق الإحساس بدور الشعر‬             ‫(العصر العباسي الثاني) الذي فرغ من تأليفه العام‬
                      ‫في الحياة واختلطت الثقافة‬         ‫‪ ،1974‬وفيه درس شعر هذا العصر ونثره‪ ،‬بعد أن‬
                      ‫العربية بالثقافات الأجنبية‪،‬‬         ‫مهد بدراسة ضافية في بيئة ذلك العصر مستقر ًئا‬
                   ‫وانمحت الأبعاد والفوارق بين‬
                    ‫الفكر العربي الخالص والفكر‬             ‫الواقع السياسي للدولة العباسية وحال الطبقات‬
                 ‫الأجنبي‪ ،‬ولكن من دون خضوع‬                                              ‫الاجتماعية فيها‪.‬‬
                     ‫أو إذابة‪ ،‬كما تغلغلت الثقافة‬
                     ‫الشعبية في الثقافة الرسمية‪،‬‬           ‫ومما رصده في هذه الدراسة التحول الخطير في‬
                       ‫وانتشرت بين جميع أفراد‬               ‫تاريخ الدولة العباسية المتمثل في استيلاء الترك‬
                     ‫الأمة‪ .‬ولم تعد الثقافة لتعلو‬          ‫على مقاليد الحكم‪ ،‬فلم تعد هذه الدولة تعتمد على‬
                     ‫على إفهام العامة‪ ،‬بل صارت‬
                                                              ‫الفرس‪ ،‬بل «على الترك الذين صاروا يبايعون‬
                               ‫د‪.‬شوقي ضيف ود‪.‬حسين نصار‬     ‫الخليفة ويعزلونه‪ ،‬وتحول السلطان إليهم فقتلوا‬
                                                            ‫المتوكل وعينوا ابنه المنتصر‪ ،‬ثم المعتمد والقاهر‬
                                                         ‫والمستكفي‪ ،‬الذي خلعه معز الدولة البويهي ونهب‬
                                                          ‫داره وسمل عينيه» (تاريخ الأدب العربي‪ ،‬العصر‬
                                                         ‫العباسي الثاني‪ ،‬دار المعارف بمصر‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.)10‬‬
                                                            ‫ومما تسبب في تدهور الخلافة العباسية أي ًضا‪،‬‬
                                                          ‫ما كان عليه الخلفاء أنفسهم من انغماس في اللهو‬

                                                                                        ‫والترف والإقبال‬
                                                                                     ‫على كل متاع مادي‪،‬‬

                                                                                         ‫من بناء قصور‬
                                                                                       ‫باذخة إلى معيشة‬

                                                                                         ‫باذخة بوسائل‬
                                                                                           ‫النعيم‪ ،‬فشاع‬
                                                                                      ‫الفساد والاختلاس‬
                                                                                       ‫في مرافق الدولة‪،‬‬
                                                                                      ‫وعم الترف الطبقة‬
                                                                                     ‫المتنفذة العليا‪ ،‬بينما‬
                                                                                    ‫عم البؤس والحرمان‬
                                                                                         ‫والشقاء الطبقة‬

                                                                                                 ‫الدنيا‪.‬‬
   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17