Page 16 - merit 50
P. 16

‫العـدد ‪50‬‬   ‫‪14‬‬

                                                    ‫فبراير ‪٢٠٢3‬‬

   ‫الأمر بحال الشعر النبطي اليوم‪ ،‬والذي ينظم به‬        ‫كانت وقتذاك تعد ‪-‬وما زالت‪ -‬جديدة على نقدنا‬
       ‫شعراء الجزيرة جميعهم بلغة نبطية واحدة‪.‬‬             ‫الأدبي‪ ،‬ليكون من أوائل المهتمين بالدراسات‬
                                                                                 ‫الثقافية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
     ‫وقد تتبع د‪.‬شوقي ضيف الطوابع الشعبية في‬
      ‫العصر الإسلامي‪ ،‬فوجد أن المجاهدين نظموا‬        ‫‪ -1‬تأكيده أن شعراء العربية لم يكونوا بمعزل عن‬
 ‫أشعارهم بلا عناية بتجويدها أو تنقيحها لف ًظا ولا‬    ‫شعوبهم‪ ،‬وكذلك الشعراء العرب في عصرنا أي ًضا‪،‬‬
‫معنى‪ ،‬ثم جاءت الأحزاب السياسية فمال الشعر إلى‬       ‫ومن ينعم النظر في تاريخ الشعر العربي فـ»سيجد‬
 ‫الهجاء وإنزال القبح والثلب بالخصوم‪ ،‬حتى صار‬        ‫شعراءه يصورون دائ ًما ما أل َّم بشعوبهم من أوقات‬
  ‫للهجاء تأثير في نفوس الناس‪ ،‬وغدا فن النقائض‬
    ‫«ملهاة الشعب‪ ..‬يقضون به أوقات الفراغ‪ ،‬وإذا‬            ‫رخاء ومن أوقات شدة مهما اختلفت الأزمان‬
     ‫كانت أثينا تعنى بالمسرح فإن الفن الذي عنيت‬      ‫والحقب» (الشعر وطوابعه الشعبية‪ ،‬ص‪ .)5‬ولهذا‬
  ‫به البصرة والكوفة هو النقائض في سوقي المربد‬         ‫السبب ذاع الشعر على الألسنة من أقصى مشرق‬
   ‫والكناسة‪ ،‬فكان الناس يتحلقون حول الشاعرين‬
‫المتناقضين للفرجة عليهما وللهو والتسلية‪ ..‬وكثي ًرا‬                   ‫الوطن العربي إلى أقصى مغربه‪.‬‬
‫ما يفضي الجمهور إلى التصفيق حين يعجبه بيت‪..‬‬          ‫‪ -2‬ابتداعه لمفهوم (الطوابع الشعبية) التي حددها‬
‫وقد يفضي إلى الصفير والصياح» (الشعر وطوابعه‬
                                                        ‫بأنها ما ينعكس في الشعر من «دواخل شعوبه‬
                               ‫الشعبية‪ ،‬ص‪.)41‬‬             ‫وأفئدتها في مختلف العصور‪ ..‬يصور حياتها‬
    ‫وانقسمت طوابع الغزل الشعبية إلى غزل عفيف‬           ‫وآمالها وآلامها‪ ،‬سواء في عصور الابتهاج أو في‬
   ‫بدوي وغزل صريح حضري‪ ،‬واستعملت فيهما‬                ‫عصور الابتئاس‪ ،‬وكان هذا التصوير على أتمه في‬
    ‫الأوزان السهلة الخفيفة‪ .‬وشاع الغناء في المدينة‬    ‫العصرين الجاهلي والإسلامي» (الشعر وطوابعه‬
  ‫ومكة والكوفة‪ ،‬وع َّد الدكتور شوقي ضيف داري‬
                                                                                    ‫الشعبية ص‪.)5‬‬
     ‫جميلة في المدينة وابن رامين في الكوفة بمثابة‬   ‫‪ -3‬رفضه آراء بعض المستشرقين من قبيل قولهم‬
                       ‫مسارح كبيرة في عصرنا‪.‬‬        ‫إن اللغة في العصر الجاهلي كانت مزي ًجا من لهجات‬

 ‫وفي العصر العباسي الأول لم يعد الشعر مقصو ًرا‬         ‫أهل نجد وحجاز‪ ،‬كونها «أقوال لا يدعمها دليل‪،‬‬
 ‫على الأصول العربية‪ ،‬بل صار ينظمه الموالي‪ ،‬وكان‬      ‫وقد أرادوا بها ان يناقضوا اشد المناقضة ما ذهب‬

    ‫الكثير من المتكلمين من الطبقات الشعبية‪ .‬وظل‬        ‫إليه علماؤها القدماء من أنها كانت لهجة قريش‬
 ‫الشعر في العصر العباسي الأول تتجسد فيه ثقافة‬           ‫سادت في الجزيرة» (الشعر وطوابعه الشعبية‪،‬‬
                                                         ‫ص‪ ،)7‬ودليله أن زعامة قريش السياسية هي‬
      ‫الشعب من أبناء الطبقة العامة‪ ،‬كما كان شعر‬      ‫التي هيأت للغتها السيادة‪ ،‬فض ًل عن كونها قدوة‬
‫المديح يستغل في الخصومات السياسية‪ ،‬لا كما كان‬       ‫روحية واقتصادية‪ ،‬ولهذا صارت لهجتها هي اللغة‬
                                                    ‫الأدبية العامة في العصر الجاهلي‪ .‬ومما أتاح للشعر‬
  ‫ُيعتقد من أنه مخصص للطبقة العليا‪ .‬ومن الأدلة‬          ‫الانتشار هو أنه ما إن ُينشد حتى ُتذاع شهرته‬
     ‫على تحول الشعر إلى الطابع الشعبي هو ليونة‬
                                                                                 ‫وتطير بين القبائل‪.‬‬
  ‫عباراته وسهولة ألفاظه وصعود شعر الخمريات‬             ‫‪ -4‬اهتمامه بدور النساء في سيادة لهجة قريش‬
       ‫على الألسنة‪ .‬وع َّد د‪.‬ضيف الشاعر أبا نواس‬        ‫في الشعر‪ ،‬بما كن يؤلفنه من أشعار في الأعياد‬

   ‫شخصية شعبية منذ عصره وإلى اليوم‪( .‬الشعر‬                 ‫والأعراس والحروب والأسواق والحكومات‬
‫وطوابعه الشعبية‪ ،‬ص‪ .)85‬أما في الأندلس فشاعت‬                                               ‫الشعرية‪.‬‬

    ‫الموشحات ذات الخاتمة العامية‪ ..‬هذا إلى جانب‬      ‫‪ -5‬تقسيمه الطوابع الشعبية إلى جماعية وفردية‪،‬‬
    ‫طوابع شعبية أخرى ظهرت في عصر الدويلات‬             ‫ومثال الأولى الشواعر من الأمهات وهن يرقصن‬

                                      ‫والإمارات‬          ‫أطفالهن‪ ،‬ومثال الثانية شعراء الحداء وشعراء‬
                                                         ‫الصعاليك كالشنفرى وتأبط ش َّرا والسليك بن‬
                                                      ‫السلكة وعروة بن الورد‪ .‬وشبَّه د‪.‬شوقي ضيف‬
   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21