Page 15 - merit 50
P. 15

‫‪13‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

     ‫الشعبيين الذين عرفوا به الحمدوني إسماعيل‬                 ‫كانوا من الطبقة العامة‪ ،‬وحتى من عاش من‬
    ‫بن إبراهيم وجحظة والخبز أرزي وأبو عبد الله‬         ‫الشعراء حول موائد الخلفاء وفي قصورهم فإنه ظل‬
                                                       ‫موصو ًل بروح الشعب‪ ،‬يتغنى بالخليفة وبما ينشر‬
                                      ‫اليعقوبي‪.‬‬
‫وقد تحدث الجاحظ عنهم في مطالع كتابه (البخلاء)‪،‬‬          ‫من العدالة التي لا تصلح حياة الرعية بدونها‪ ،‬كما‬
                                                       ‫كان شعر الحماسة والمجون متَّ ِص ًل بالشعب أي ًضا‪،‬‬
    ‫كما صور البيهقي أعمالهم ونوادرهم بوصفهم‬             ‫ُيلقى على العامة من وحي حياتها‪ ،‬وما يسرى فيها‬
  ‫جماعات من المتسولين اتخذوا من التحامق حرفة‬
  ‫درت عليهم أموا ًل‪ ،‬مثل أبو فرعون الساسي وأبو‬             ‫من شظف وضنك (ينظر‪ :‬تاريخ الأدب العربي‪،‬‬
                                                               ‫العصر العباسي الثاني‪ ،‬ص‪.)500 -499‬‬
     ‫المخفف وأبو الشمقمق‪ ،‬الذي كان ينظم الشعر‬
 ‫عفو الخاطر فيدور على ألسنة الغلمان مصو ًرا فقر‬             ‫وبهذا الاستنتاج الأخير يكون الدكتور شوقي‬
                                                              ‫ضيف قد أسقط فرضية التكسب التي ع َّدها‬
                    ‫الشعب وسخطه وسوء حظه‪.‬‬
    ‫ومثله الشاعر البصري الخبز أرزي‪ ،‬وكان أميًّا‬          ‫المستشرقون ظاهرة في الشعر العباسي‪ ،‬نافيًا أن‬
  ‫لا يقرأ ولا يكتب‪ ،‬ومع ذلك كان شعره يدور على‬            ‫يكون الشعراء متملقين للسلطات السياسية‪ ،‬ورد‬
   ‫كل لسان والشباب والصبية ينشدونه‪ .‬وتأسف‬
    ‫الدكتور ضيف أن الثعالبي أعرض عن كثير من‬                 ‫كذلك على القائلين إن كثرة شعراء المديح تعني‬
‫شعر الخبز أرزي في كتابه اليتيمة «وبذلك فوت على‬             ‫أنه شعر قصور وخلفاء ووزراء‪ ،‬وأكد العكس‪،‬‬
‫نفسه عم ًل أدبيًّا ونقد ًّيا جلي ًل كان يمكن أن يضيفه‬
 ‫لكتابة‪ ،‬ولا ينقص منه‪ ،‬بل لعله يرفعه درجات‪ .‬وإذ‬                ‫فالشعراء الم َّداحون لم يكونوا منفصلين عن‬
  ‫يحتوي شعره على مادة شعبية‪ ،‬فكان الأجدى أن‬            ‫شعوبهم‪ ،‬بل كانوا يحملون في صدورهم أحاسيس‬
‫يعرضها كاملة حتى نعرف مدى ما حدث من تطور‬
  ‫في اللغة الشعبية البصرية بالقياس إلى الفصحى‪،‬‬                                       ‫الشعب ومشاعره‪.‬‬
   ‫سواء في جوانبها اللغوية أو الأسلوبية» (العصر‬          ‫ولاهتمام الدكتور شوقي ضيف بالثقافة الشعبية‬
                                                       ‫راح يتتبع شعراءها الشعبيين الذين ‪-‬على كثرتهم‪-‬‬
                ‫العباسي الثاني‪ ،‬ص‪.)510 -509‬‬              ‫لم يصل إلينا من أشعارهم سوى القليل‪ .‬وهو ما‬
     ‫واهتمامه بالثقافة الشعبية جعله يقف عند لغة‬        ‫عده د‪.‬ضيف أم ًرا طبيعيًّا لكونهم مثلوا حياة الشعب‬
     ‫الشعر العربي؛ أهي فصحى خالصة أم أن لها‬
  ‫طوابع شعبية؟ وألَّف كتا ًبا عن لغة الشعر عنوانه‬            ‫التعسة «ومن المؤكد أن ُج َّل ما ينظمون ضاع‬
  ‫(الشعر وطوابعه الشعبية على مر العصور) ُنشر‬               ‫لأنهم‪ ..‬لا يهمهم تسجيل ما ينظمونه» (العصر‬
    ‫عام ‪،1977‬‬                                           ‫العباسي الثاني‪ ،‬ص‪ .)500‬وأكثر الذي وصل إلينا‬
‫وفي هذا الكتاب‬                                           ‫من الشعر الشعبي هو شعر الكدية‪ ،‬ومن الشعراء‬
  ‫وضح ْت نزعة‬
‫الدكتور شوقي‬
  ‫ضيف النقدية‬
      ‫في السير‬
     ‫على المنهج‬
     ‫الاجتماعي‬
      ‫بمفهومه‬
      ‫الديستالي‬
    ‫والماركسي‪.‬‬
 ‫وهو ما أوصله‬
     ‫إلى مسائل‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20