Page 13 - merit 51
P. 13
11 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
غابوا وما زودوني غير تثريب ارتجال هذا الشاعر لشعره ،وكونه لم يتلق تعلي ًما،
بانوا ولم يق ِض زي ٌد منه ُم وط ًرا وهذا السؤال هو :كيف يتأتي لمثل هذا الشاعر هذا
ولا انقضت حاج ٌة في نفس يعقوب()4 الجمال الفني في صوره وموسيقاه؟ وكيف يدرك
وقد تش ّكلت الأبيات عامرة بالمفردات القرآنية الشاعر شاعريته (من أوصف الشعراء) وهو على
المباركة ،وانتقل الشاعر بعالمه الغزلي إلى آفاق
تناصية مغايرة للدلالات القرآنية ،محق ًقا مفارقة الحال التي ق َّصها تاريخ الأدب مما أشرنا إليه؟
التناص في استلهامه للقرآن الكريم ،واختلافه عما وقد بدأ الديوان بالتصريع موش ًحا بأثره النغمي
الجميل ،وصنع صورة لامرأة صيغت من جوهر
استلهم في الوقت نفسه. وهبه الشاعر الحياة والرقة والنقاء والبهاء .وقد
وفاضت العبارة القرآنية بدلالاتها الثرية في النص
الشعري ،كذلك ،في قوله (وما زودوني غير تثريب) كساها الحسن سربا ًل من جمال تحيرت فيه
الأوصاف.
و(لم يق ِض زيد منهم وط ًرا).
ومن قصيدة أخرى ،على هدى من جمال أسلوب ويتناص هذا الشاعر المتفرد بالقرآن الكريم،
ويستلهم من قصة يوسف عليه السلام تصويره
القرآن الكريم ،يقول:
خطرات قلبي في طرائقها لجمال يوسف ،لكنه -بمفارقة التناص -يجعل
تذر القلوب طرائ ًقا ِق َددا()5 تقطيع الأيدي ،انبها ًرا بالجمال ،من نصيب الرجال
وكذلك يقول: وقد أسرهن هذا الجمال الأنثوي ،يقول:
هذا الذي أبدع الرحمن صورته فلو أنه في عهد يوسف ُق ِّطعت
فلا تفاوت فيه فارجع البصرا()6 قلو ُب رجا ٍل لا َأ ُك ُّف نساء()3
وي َّطرد تناص الشاعر بالقرآن الكريم ،خاصة
سورة يوسف .ويتجلى أثر القرآن الكريم أي ًضا في والشاعر مفتون بسورة «يوسف» أي ًضا في تنا ٍّص
معها بقوله:
قول الشاعر:
وليس عليه حجة في قتاله قالوا لو ص َّح ما قالوا لفز ُت به
وليس عليه في الجروح قصاص()7 َمن لي بتصديق ما قالوا بتكذيبي
راجع إلى قوله تعالى «والجروح قصاص».
عليَّ والله فيما شنَّعوا كذبوا
وقوله: ككذ ِب أولاد يعقو ٍب على ال ِّذيب
مصون تجنَّبت في حبه أستودع الله أحبا ًبا ُح ِسدت بهم
جميع الفواحش إلا الَّلمم()8
وللتناص بالقرآن الكريم أثره البالغ في التواصل
بين الأديب والمتلقي(.)9
ويستدعي الشاعر صورة اللحظ فتا ًكا بقوله:
ويسطو على عمد بس ْي َفي لحاظه
فيقتلنا من غير سفك دماء()10
متنا ًّصا مع التراث الشعري العربي الحافل
بتنويعات على هذه الصورة ،من مثل قول جرير:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا()11
وكيف لا ،والحب سحر الوجود:
في الحب سحر للعقول لأنه
يغشي النفوس بدائها ودوائها()12