Page 8 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 8

‫العـدد ‪24‬‬                         ‫‪6‬‬

   ‫العقيدة الدينية‪ ،‬جعل الأدب الذي يعالج‬                     ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬
  ‫موضوع الجنس هد ًفا للنيران‪ ،‬ولم يسلم‬
‫من ذلك أحد بداية من نجيب محفوظ حتى‬             ‫بعشرات المرات هناك‪ ،‬ولا ُيدخل «حيا َءه»‬
‫أحمد ناجي‪ ،‬فوجد الأدباء أنفسهم متهمين‬                          ‫طر ُفا في فعل لا يخصه!‬

   ‫في قاعات المحاكم‪ ،‬بل ودخلوا السجون‬              ‫هذا عن الجنس كموضوع‪ ،‬فماذا عنه‬
      ‫عقا ًبا على ماكتبوا على لسان أبطالهم‬                        ‫كمادة ثقافية وأدبية؟‬
      ‫وبطلاتهم‪ ،‬بالرغم من أن ق َّراء الأدب‬
                                                   ‫هناك شعراء عرب مشهورون اتخذوا‬
‫قليلون ج ًّدا بالمقارنة مع مشاهدي الدروس‬          ‫الجنس مادة تدور حوله أشعارهم‪ ،‬إلى‬
  ‫الدينية التي يلقيها الشيوخ وتتحدث عن‬           ‫جانب الخمر‪ ،‬دون أن يتعرض لهم أحد‬
                                                  ‫ودون أن يتأذوا نفسيًّا أو جسد ًّيا‪ ،‬بل‬
 ‫القوة الجنسية للنبي‪ ،‬أو علاقاته بزوجاته‬       ‫كانوا يكافأون على أشعارهم التي يحفظها‬
 ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬مع ما يصاحب ذلك‬            ‫الناس ويتناقلونها بيسر‪ ،‬مثل أبو نواس‬
                                               ‫وغيره كثيرون‪ ،‬هذا لأن موضوع الجنس‬
   ‫من وصف دقيق‪ .‬وهو الأمر الذي جعل‬              ‫لم يكن ممنو ًعا ولا منهيًّا عنه عند العرب‬
‫ال ُكتَّاب والشعراء يلجأون إلى الرمز والمجاز‬   ‫الأوائل من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى لم تكن‬
‫لإخفاء ما يريدون قوله تحت حجب تقيهم‬            ‫الأشكال الحديثة للسلطة ومؤسساتها قد‬
                                                 ‫ُعرفت‪ ،‬فأقصى عقاب وقتها كان النبذ‪،‬‬
                   ‫شر المساءلة والحبس!‬            ‫بأن تلفظ القبيلة من يخرج عن عاداتها‬
    ‫توظيف الجنس في الثقافة والأدب‪ ،‬إ ًذا‪،‬‬         ‫وتقاليدها‪ ،‬وقد استمر إنتاج هذا النوع‬
 ‫فض ًل عن حرية ممارسته‪ ،‬يرتبط بالثقافة‬           ‫من الكتابة الشعرية حتى نهاية العصر‬

      ‫المجتمعية في زمان ومكان محددين‪،‬‬               ‫المملوكي‪ ،‬والأهم أن شعر أبي نواس‬
   ‫أكثر من ارتباطه بالدين‪ ،‬أي دين‪ ،‬بدليل‬           ‫كان يد َّرس لتلاميذ المرحلة الابتدائية‬
   ‫قبوله هنا ورفضه وتجريمه هناك‪ ،‬لكنه‬          ‫قبل حركة الضباط في يوليو ‪ ،1952‬وهو‬
‫–بالمجمل‪ -‬يشكل هاج ًسا عربيًّا وموضو ًعا‬       ‫تاريخ دخول جماعة الإخوان المسلمين إلى‬
                                                 ‫معادلة السلطة في مصر‪ ،‬وبالتالي اتجاه‬
     ‫ضاغ ًطا يشغل حي ًزا كبي ًرا في التفكير‪،‬‬    ‫المؤسسات إلى التديين والمحافظة والعيب‬
   ‫ربما لأنه ممنوع ومج َّرم‪ ،‬وهذا –ربما‪-‬‬            ‫والحرام‪ ،‬وهو ما سلَّمنا إلى جماعات‬
 ‫يفسر تمسك بعضنا بتعدد الزوجات لأنه‬                ‫التشدد وفقهائها ومنابرها ومعاهدها‬
 ‫يعطي حرية أكبر للذكر كي يعدد مصادر‬                  ‫وكتبها وبرامجها الدينية ودعاياتها‬
‫حصوله على متعته‪ ،‬مقابل قمع المرأة كونها‬
 ‫الأضعف‪ ،‬وتغطيتها كي لا تكون إلا لرجل‬                            ‫ومظاهرها وطقوسها‪.‬‬
‫واحد‪ ،‬مقابل أن يتحمل أعباء وجودها معه‪،‬‬            ‫هذا الاتجاه ناحية فقه التشدد‪ ،‬وتزايد‬

                          ‫ماد ًّيا ومعنو ًّيا‬       ‫الرغبة السلطوية لاستمالة (ح َّراس)‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13