Page 11 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 11
إبداع ومبدعون 9 وعلاقته بالتاريخ وبالواقع .وبالطبع التوازيات
رؤى نقدية الكبرى بين الأدب والاتجاهات الأدبية ،ومحاولة
تركيب تمفصلات كبرى ،هذا النظرة التي يعبر عنها
-2 بارت متنوعة ،يعنينا منها ثلاث مصطلحات مركزية،
ويعد كتاب بارت (درجة صفر الكتابة Writing هي :الكتابة ،والنص ،والعمل الأدبي .مركزية
1953 )Degree Zeroم .بداية لانبثاق مفهوم هذه المصطلحات تأتي في كونها تحدد في علاقاتها
الكتابة لديه في علاقتها بالأجناس الأدبية ،وليس بمفاهيم متنوعة وتحمل معها تصورات بارت عنها،
بالمستطاع الإلمام بما يخفيه الكتاب من نظرة مثل مفاهيم اللغة ،والأسلوب ،والكلام ،الصمت،
وتأصيل للكتابة ومسألة الأجناس إلا عبر المرور ودرجة الصفر ،بل مفاهيمه عن اللذة والمتعة،
على سياقه ،كونه يبدو في تاريخ النظرية النقدية
المعاصرة كتا ًبا حجاجيًّا وجدليًّا موصو ًل بتنظيرات المقروء والقابل للقراءة ،والكاتب والناسخ ،والكاتب
سابقة عليه ،خاصة الحوار الضمني مع سارتر والمستكتب ..وغيرها من ترسانة بارت المتنوعة.
وترسيخه لمفهوم «الالتزام» في كتابه «ما الأدب؟»، لكن يبدو أن للكتابة بع ًدا مركز ًّيا على نحو ظاهر،
فالكتابة لدى ساتر في ظل الالتزام تشير إلى وعي
يفكر في العمل الأدبي بوصفه مختر ًقا بمشروع ذي ورغم ذلك ،فإنه ليس من المصطلحات البسيطة التي
طبيعة أخلاقية ،أي أنه لا يحيل إلى نفسه ،أو يدعي يمكن العثور على معنى نهائي لها ،أو حتى مفهوم
الاكتفاء بذاته بل يرتبط بمشروع يعلن عن نفسه
ويتحدد من خلال الغايات التي يتابعها العالم ،أي شفاف واضح؛ إنه أحد مصطلحات بارت التي لاحظ
أنه بمثابة عناق للعالم .ويتجسد هذا المفهوم ويعلن نقاده ما يحوطه من تنوع واختلاف ،ولذا يفسره
عن نفسه في شعار ساتر «أن نكتب لعصرنا»(،)2 بعضهم من زاوية تاريخية مردها ممارسات بارت
الذي نادى به عقب تحرر فرنسا من الاحتلال المتباينة ،تبعا لمراحل فكره ،وقد بدت لدى «فانسان
الألماني ،ولعل ذلك ما جعل ساتر يهاجم الحداثة جوف» تدور بين قطبين متتابعين ،يحملان بدرجة
كونها تؤمن باستقلال الممارسة الأدبية ،والذي رأى
فيه انسحا ًبا تا ًّما من الحياة الاجتماعية والتاريخ، ظاهرة تضا ًّدا ،فهي تعني استعما ًل إيديولوجيًّا
مما جعل مفهوم الالتزام ذاته بمثابة قطيعة من واجتماعيًّا للغة الأدبية ،وتعني في مرحلة تالية
تحري ًفا للخطاب الأيديولوجي السائد وتحر ًرا منه،
بعض الوجوه مع الحداثة. والواقع إن كتابه «الدرجة الصفر للكتابة» الذي
لعله من المفيد بداية جلاء الغموض الذي يحيط أولا يشير «جوف» إلى تبنيه للمعنى الأول ،لو دققنا فيه
بمفهوم «درجة الصفر» التي جاءت وص ًفا للكتابة النظر فإنه يحمل المعنى الآخر للكتابة ويدافع عنها،
ولم يكن في وسع جوف إزاء هذا التعارض إلا أن
في عنوان كتاب بارت ،فلم يكن هذا الوصف بأقل يعزو التعارض إلى مفهوم الأسطورة المركزي في
إثارة للالتباس والتناقض في آن ،لكن ربما تكون خطاب بارت النقدي الذي يحمل في آن معنى الإيحاء
الإشارة إلى أصل المصطلح مما يزيل ذلك الإبهام، وما وراء اللغة؛ أي الاستلاب والتحرر معا(.)1
فعبارة «درجة الصفر» استعارها بارت من عالم رحلة بارت مع مفهوم الكتابة تعبر عن تحولاته
اللسانيات فيجو بروندال -١٩٤٣[ Viggo Brondal النظرية في مراحله المتتابعة ،سواء في ذلك مرحلة
،]١٨٨٧الذي يعد أحد أقطاب مدرسة كوبنهاجن، ما قبل إعلانه عن انتسابه للبنيوية ،أو انتقاله إليها
ويأخذ مصطلح درجة الصفر لديه معنًى لسانيًّا والتنظير لها ،أو مرحلته الأخيرة في تبنيه طروحات
دا ًّل على العناصر غير الموسومة أو المحايدة في اللغة مباينة لها ،فقد بدأ تدريجيًّا في الانتقال من تفكير
مقابل تلك العناصر الموسومة والمحددة ،كما هو تأريخي سجالي للأدب ،ثم انحاز لمنطق بنيوي،
الحال في صيغة الشرط وصيغة الأمر اللذين فرق ومنه إلى تفكير نصي يعلي من شأن الكتابة .قريب
بينهما بروندال وفق درجة الصفر( ،)3ولعل بارت من تخوم ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة ومفاهيم
نفسه أشار لذلك في متن كتابه في قوله «معلوم أن
بعض اللسانيين يضعون بين مصطلحي قطبية النصية واللعب.