Page 13 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 13
رحلة بارت مع مفهوم الكتابة تعبر عن
تحولاته النظرية في مراحله المتتابعة،
سواء في ذلك مرحلة ما قبل إعلانه
عن انتسابه للبنيوية ،أو انتقاله إليها
والتنظير لها ،أو مرحلته الأخيرة في تبنيه
طروحات مباينة لها ،فقد بدأ تدريج ًّيا في
الانتقال من تفكير تأريخي سجالي للأدب،
ثم انحاز لمنطق بنيوي ،ومنه إلى تفكير
نصي يعلي من شأن الكتابة
-3 رولان بارت
وليس من قبيل المغامرة القول بأن مفهوم الكتابة في الواضح «لكل ما هو متعدد أو متقطع»( ،)9بل
درجة الصفر سوف يظل مغرو ًسا في وعي بارت يذهب تودوروف إلى أن فكرة لزوم الكتابة نفسها،
مستمدة من فكر سارتر نفسه ،في سياق تعميمي
حتى في تبنيه البنيوية ،وذلك حين تغدو تلك الكتابة على الأدب كله ،خلاف سارتر الذي مال إلى حصر
موضع السؤال في مقاله «الكتابة فعل لازم؟»،
فكرة الالتزام في النثر وأبعد الشعر عنها ،ليحلق
فالسؤال نفسه يكاد يكون إجابة في الوقت ذاته عن في كتابة غير متعدية أو فعل لازم بمصطلحات
سؤال الكتابة ،ويدعم بارت تلك الإجابة بإجراء بارت( .)10يقول جوناثان كولر« :وكما يؤ ِّكد بارت
الآن ،لم يكن «درجة الصفر» مجرد تمرين في مجال
نوع من الاشتراك بين تجربة الكتابة الأدبية التي تاريخ الأدب ،بل كتاب عن أسطورة اللغة الأدبية،
كرسها ملاميه وبروست وجويس ،في كونها بحثًا «حيث قدم ُت فيه تعري ًفا للكتابة بوصفها دا ًّل
عن الكتاب الكلي ،أو مغامرة مع اللغة والسكن فيها، للأسطورة الأدبية؛ أي شك ًل مملو ًءا سل ًفا بمعنًى
[لغوي] َيتل َّقى من مفهوم الأدب السائد في عصره
ويلتقي هذا المنظور -في نظر بارت -مع النزعة معنًى جدي ًدا (أسطوريات) ،ومهما يكن محتواها
البنيوية خاصة فرعها الأدبي المتمثل في الشعرية اللغويُ ،ت ِش ِر الكتاب ُة إلى موق ٍف تجا َه الشكل الأدبي
التي تبحث في المبادي المحايثة للأدبية ،أو ما يشكل ومن َثم تجاه المع َنى والنسق ،وتروج لأسطورة عن
أدبية الأدب هو صيغته اللغوية ،وهو مفهوم مستمد الأدب ،تكتسب من خلالها دو ًرا ما في العالم”(.)11
من ياكبسون دون ريب ،وهو ما يصوغه بارت إن بارت يبدل ترسيمة سارتر للكتابة «فعندما
بعبارته الدالة على ارتباط الشعرية «بالرسالة لا يستند سارتر إلى أخلاقية الرسالة ،فإن أخلاقية
بمرجعها» ،بمعنى آخر ،هناك التقاء من جديد بين الشكل هي ما يسترعي انتباه بارت ،فع ًل ،فبالنسبة
الأدب واللغة ،والكتابة واللسانيات ،أي وجود منطقة
مشتركة بين الكتابة بوصفها فع ًل لاز ًما -غير متع ٍّد لهذا الأخير ،ليس الأدب تواص ًل وإنما لغة،
على نحو ما ذهب سارتر حول النثر -ويمتد تحليل قلَّما يجد الكاتب نفسه متور ًطا بوصفه كذلك في
بارت فيما وراء هذه المنطقة المشتركة ،ليقدم التماثل استعمال اللغة منه في طريقة استعمالها؛ فالأدب أو ًل
بين نظر البنيوية لمقولات اللغة ووعيهما بعملها
وقبل كل شيء نشاط شكلي»(.)12