Page 18 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 18
العـدد 24 16
ديسمبر ٢٠٢٠
وأنماط المعقولية -يطرح بارت التوصيف «كتابي»؛ فيليب سولرز فيجو بروندال
ليصف الأعمال التجريبية التي لا نعرف بع ُد كيف
نقرؤها لكن يمكننا فقط أن نكتبها ،ولا بد لنا من أن مسألة صدفة ،بل محاولة مزدوجة لتكريس
نكتبها بالفعل ونحن نقرؤها»(.)26 مفاهيمه حول القراءة واللذة والصمت ودرجة
وبإمكاننا رؤية ذلك واض ًحا حين يقف بارت عند
روايات الماركيز دو ساد ليشرح كيف تكون لذة الصفر وأسطورة اللغة البيضاء وغيرها ،وتقديم
القراءة للرواية الحديثة متولدة من رج توقعات البيان النظري لنقد جديد مؤسس على حركة جمالية
التلقي بل صدم الأعراف والتقاليد ،بمعنى آخر،
روح التمرد المنغرسة في جسد الكتابة ،وانقطاعه مباينة مغايرة لمفاهيم النضال الأيديولوجي الذي
عن السائد ،يقول« :لدى ساد تتوالد لذة القراءة بكل
وضوح من بعض القطائع أو بعض الاصطدامات: تكسرت نصاله مع الزمن ،ومن هنا تنظيراته دفا ًعا
عن تلك الكتابة وتأسي ًسا لها وتحفي ًزا في الوقت ذاته
فتلتقي سنن متنافرة ،النبيل والمبتذل مث ًل،
وتستحدث ألفاظ فخمة وسخيفة»( .)27ويقف لإعادة رؤيتها وفق منظور جمالي جديد ،ليشرع
مطو ًل عند رواية قوانين لفليب سولرز Philippe
Sollersموض ًحا انبثاق لذتها النصية اعتما ًدا على لمفهوم اللذة التي لن تكون موجودة في ظل الالتزام
المهاجمة الواعية للكتابة لكافة أشكال ترابط الدال
المعهودة ،بل تسير نحو تدمير التركيب النحوي، بل على أنقاضه في تصور بارت ،عبر تأكيده لشهوية
في الوقت الذي تهاجم فيه الصروح الأيديولوجية
وكأنه حركة مضادة لقوانين اللسان ،أو اللسان النصوص نصيتها ومتعية القراءة وشغفها ،ويشرح
بلا قوانين عار ًيا من الأنساق مفتو ًحا على مرح
الإيقاع ،يقول بارت« :في رواية (قوانين) لفليب جوناثان كولر هذا الموقف ويلخصه في قوله:
سولرز ،تتم مهاجمة كل شيء وتفكيكه :الصروح
الأيديولوجية ،التضامنات الفكرية ،انفصال اللهجات « ُيش َتهر بارت بدفاعه عن الطليعة ،فعندما اشتكى
عن بعضها ،بل الدعامة المقدسة لتركيب الجملة النقاد الفرنسيون من أن روايات آلان روب جرييه
(موضوع /محمول) ،لم يعد النص يعتمد الجملة وغيره من ُكتَّاب تيار «الرواية الجديدة» غير صالحة
نموذ ًجا ،إنما هو في الغالب دفق قوي من الكلمات،
شريط من الكلمات دون مستوى اللسان ،على أن هذا للقراءة -لكونها خلي ًطا من الأوصاف المشوشة
كله يصطدم بحافة أخرى ،حافة الأوزان الشعرية،
والسجع ،والكلمات المستحدثة الممكنة والإيقاعات يخلو من أي حبكة يمكن فهمها أو شخصيات مثيرة
للاهتمام -فإن بارت لم يكت ِف بالثناء على هذه
العروضية والتفاهات (الاقتباسية) .فتفكيك
اللسان يقطعه القول السياسي وتحفه ثقافة الدال الروايات وحسب ،راب ًطا بذلك حظوظه بحظوظها،
القديمة ج ًّدا»( .)28وفي رواية كوبرا لساردي يشير بل ذهب أي ًضا إلى أن غايات الأدب تتحقق كامل ًة على
إلى وجود لذتين للقراءة ينبثقان من التناوب بين الوجه الأمثل من خلال أعمال «غير صالحة للقراءة»
صيغتين للحكي على درجة من الالتباس عبر دفق
لغوي يحتفل بمرح الكلمات حيث «يتم التناوب بين تتحدى توقعاتنا .ففي مقابل التوصيف»قرائي»
لذتين تكونان في حالة مزايدة مع بعضهما البعض،
فالحافة الأخرى هي السعادة الأخرى ،مزي ًدا من -الذي يصف الأعمال الخاضعة للشفرات التقليدية
الكلمات! مزي ًدا من الاحتفال!»(.)29
يصبح على هذا النحو مفهومي القراءة والكتابة