Page 20 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 20
الأخرى ،وأخي ًرا :كتابة العنف أي (الشارع) يربط بارت الكتابة بمفهوم النص ،أي
الذي هو مجال الكلام المحرر والتواصل
أنه يفرغ الكتابة من أي نزعة متعالية
سواء كان عن ًفا تعبو ًّيا أو تحلي ًل نفسيًّا ،أو
حتى عمليات وتحريضات .لكن بارت يتلفت كلية تجعل منها قال ًبا يمكن القبض
بصورة استشرافية إلى أن هذا الوصف للآثار
عليه في صيغة نهائية ،أو وصفة قابلة
المكونة للحدث من شأنها أن تموت ويلفها
النسيان -ربما حدث الثورة نفسه -أي في للتكرار ،بل يدمجها داخل مفهوم النص
كونه قاب ًل للنسيان والانحصار لأنه حدث
كتب ،ولذلك فإن بارت يتبني التمييز الذي بوصفه وحدة منفردة ومتفردة في آن،
عقده دريدا بين الكلام والكتابة ،فالكلام بل ربما رغبة في رواغ مفهوم النص
لا يقتصر على حديث شفوي ،بل ما يمكن
طباعته فع ًل متص ًل بالجسد ،أي أنه الصوت نفسه من التحديد والتأطير النهائي،
نفسه ،أما الكتابة فتبدو فيما فجرتها ثورة
الطلاب ولم تكن مطبو ًعا بالضرورة بوصفه فإنه يجرده من أي تعريف نهائي
فعل تحرر وانعتاق ،وترتيبًا على هذا التمايز
يرى بأن الكتابة هي ما ينبغي ابتكاره ،لذا ينادي الصمت ،بمعنى آخر ،هناك رغبة في تأكيد نوع من
بارت بالكتابة في مفهومها الجديد لديه بوصفها التلاحم بشكل أو آخر بين أشكال الكتابة والحدث
قطيعة مع النظام الرمزي القديم والبرجوازية ،أي
أنه مضاد لها ،الكتابة المرادة ليست واقعة برجوازية الحاف بها ،نعثر على هذه الصيغة بوضوح في
على ما أنجزته تلك الطبقة من كلام مطبوع« ،إن مقالة مهمة يحلل فيها بارت أحداث ثورة الطلاب
الحدث الراهن لا يمكنه أن يقدم إلا بعض الشذرات عام 1968م ،والمهم في المقال ليس الرصد الثقافي
الهامشية من الكتابة؛ إننا نرتاب في كل استخفاف
بالكتابة ،وكل تبرير منهجي للكلام؛ لأن هذا وتلك والتحليل الاجتماعي الوسائطي فحسب للثورة
إنما يطمحان -أيا كانت التعلة الثورية -إلى الحفاظ وأجهزة الدولة المحيطة بها إعلاميًّا ،بل أي ًضا تأكيده
على النظام الرمزي القديم ،ويرفضان ربط ثورته
بثورة المجتمع»( .)33ولا يكون ذلك في نظر بارت على دور الكتابة ومفهومها الحيوي الذي انبثق
إلا من خلال «استبدال التأويل بخطاب جديد ليس مع ثورة الطلاب وينبغي للطليعة الأدبية التشبث
به كآلية احتفاظ وتدعيم بل ودفاع عنها .وليس
غايته الكشف عن بنية واحدة وحقيقية ،وإنما بغريب أن يوحى لنا عنوان المقال نفسه بالتصور
خلق لعبة بنيات متعددة :خلق مكتوب ،هو أي ًضا، الذي يحمله ،إذ حمل عنوان (كتابة الحدث) ،ويحمل
أي منفصل عن حقيقة الكلام ،و-بعبارة أدق -إن مفتتحه التفا ًتا لأنواع الوصف التي كتب بها حدث
العلاقات التي تقوم بين البنيات المتلازمة والخاضعة
لقواعد لا تزال بعد مجهولة ،هي ما ينبغي جعله ثورة الطلاب ،فيراها كتبت على نحو بولوفوني
وبكتابات ثلاث :أولها الكلام :الذي تداخلت فيه
موضوع نظرية جديدة»(.)34 الصحافة والكتب والإذاعة التي كانت تنحرف
ويترتيب على هذا الوضع ،مساءلة التأويل وألعاب باتجاه الحدث وتعدل منه في حركة معكوسة مع
القراءة والكتابة المرغوب فيها التي كانت تنادي
فك الرموز ،التي تجعل النصوص في مواجهة بهما الحداثة ،وبجوار الكلام الطلابي الذي تفجر
التصور القديم في التأويل الذي يضفي الوحدة على بوصفه كلا ًما ابتكار ًّيا وتبشير ًّيا ونفعيًّا حول
المظاهر المشوشة ويعطيها تفسي ًرا حقيقيًّا ،لكن بارت الجامعة والثقافة والعلم ،هناك ثانيًا الرمز الذي
يدعو في ظل هذا الحدث إلى خلخلة نظام المعنى حتى ظهر في استغلالات العلم الفرنسي وألوانه ،وصورة
المتراس وإشاراته الرمزية ،وشبكة كاملة من الرموز
يكون ثور ًّيا