Page 24 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 24

‫العـدد ‪24‬‬   ‫‪22‬‬

                                                    ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬

     ‫إلى ألفاظ لم تكن في العرف السائد شعر ًّيا‪،‬‬           ‫الإدراكات الإنسانية التي تتصل ببعضها‬
 ‫وأقيمت علاقات بين مفردة وأخرى ليست من‬                 ‫بع ًضا‪ ،‬ضالعة بذلك في تأسيس وعي جمالي‬
  ‫ذات النوع (جنازة الماء‪ ،‬رؤوس أيامنا‪ ،‬لسان‬           ‫بعيد المدى قواه التخيل وعماده ابتكار العالم‪،‬‬
                                                       ‫فلم تعد اللغة الشعرية لغة مقدسة بل حدث‬
                                     ‫المرايا‪.)..،‬‬    ‫انفتاح واسع في هذا المجال باقترابها من اللغة‬
     ‫وبدا أن التوازن يختل بين المفردات بداية‪،‬‬         ‫اليومية المتداولة‪ ،‬إذ سعى الشاعر إلى إخراج‬
   ‫وتاليًا بين اللغة والعالم‪ ،‬كأنما اللغة الجديدة‬
‫تسير في اتجاه لا يسير فيه العالم‪ ،‬وكأن الأمر‬              ‫شعره من الفضاءات اللغوية ذات الطابع‬
     ‫أشبه بالمأزق‪ ،‬فمن البحث عن لغة لم يقلها‬               ‫الرومانسي إلى فضاءات أوسع كالسوق‬
     ‫آباؤنا إلى البحث عن ألفاظ قالوها وبكثرة‪،‬‬         ‫والشارع والرصيف مستفي ًدا من لغة الحياة‬
   ‫ولعل في ذلك يتحقق الأمران م ًعا‪ :‬النأي عن‬            ‫اليومية (لف ًظا وتركيبًا) سواء على مستوى‬
   ‫العلاقة الإشكالية مع الموروث والاصطفاف‬            ‫اللغة الدارجة أم على مستوى اللغة الصحافية‬
   ‫في نسق احترامه وعدم القطع معه من جهة‪،‬‬
      ‫والدخول في محرقة الشعر الجدية بعباءة‬                   ‫اليومية‪ ،‬حيث تمكن الشاعر السبعيني‬
                                                      ‫والثمانيني من نقل مفردات وتراكيب من لغة‬
                ‫لغوية تاريخية من جهة أخرى‪.‬‬           ‫الحياة اليومية إلى لغة الشعر ولجأ إلى تحويل‬
  ‫فاللغة الشعرية في قصيدة النثر ُتعد بطاقاتها‬
                                                          ‫الألفاظ التي ارتبطت بلغة النثر إلى ألفاظ‬
    ‫التعبيرية وإمكاناتها التأملية مكو ًنا أساسيًّا‬   ‫شعرية‪ ،‬وهذا الانفتاح اللغوي مثل نقلة نوعية‬
  ‫من مكوناتها‪ ،‬وتشكيلها الجمالي‪ ،‬حيث تعامل‬
‫معها الشاعر بحرية كبيرة وجرأة أكبر وانتقى‬                ‫كبيرة في توسيع فضاءات اللغة الشعرية‪،‬‬
   ‫من مفرداتها المستمدة من التراث أو من لغة‬         ‫وتوسيع الحقول الدلالية التي ينهل منها شاعر‬
 ‫الحياة اليومية ما يتناسب وتجاربة المعاصرة‪،‬‬
  ‫لأن الشعر هو الذي يجدد شباب اللغة ويعيد‬              ‫هذه القصيدة‪ ،‬ومع مجيء القصيدة النثرية‬
                                                        ‫التسعينية استمر الشواء فيما يشبه البحث‬
    ‫إليها الحيوية والنشاط‪ ،‬ولهذا أولى الشاعر‬          ‫اللغوي الدائم‪ ،‬وأخذت مسافة التوتر في اللغة‬
‫الحديث أهمية كبيرة للغة ودورها الجوهري في‬
‫عملية الإبداع الشعري‪ ،‬وشغلت حي ًزا مه ًّما من‬             ‫تنتج أمران‪ ،‬الأول‪ :‬ثراء القاموس اللغوي‬
                                                    ‫الشعري من نافذة‪ ،‬وعناء إدراك ماهية العلاقة‬
                                       ‫تفكيره‪.‬‬
    ‫فالشاعر لا شك يلعب دو ًرا بالغ الأهمية في‬             ‫اللغوية من نافذة أخرى‪ ،‬إذ اتجه بعضهم‬
   ‫توليد أنماط اللغة‬
  ‫التعبيرية‪ ،‬وتنمية‬
    ‫طاقاتها التأملية‬
‫وتجلياتها الجمالية‪،‬‬
 ‫ويكون اختيارة لها‬
   ‫ناب ًعا من تجربته‬
‫التي يكابدها‪ ،‬فاللغة‬

      ‫أسا ًسا تستمد‬
‫قيمتها ودلالتها من‬

    ‫سياقها النصي‪،‬‬
‫وخصوصية الموقف‬

    ‫الشعري‪ ،‬لا من‬
  ‫كونها لغة مجردة‬
   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29