Page 25 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 25

‫تحولت اللغة الشعرية في قصيدة النثر‬                          ‫فحسب‪ ،‬كما أن الشعر في الوقت نفسه لا‬
                                                           ‫يقوم كيانه إلا بلغة تتشكل تشكي ًل خا ًّصا‪.‬‬
    ‫من مجالها الملحمي والأسطوري إلى‬
                                                               ‫وإذا كانت الألفاظ والمفردات وحدة بناء‬
    ‫جانب الاحتفاء بالبيئة المحلية‪ ،‬الذي‬                        ‫القول‪« ،‬فلغة الشعر ليست شاعرية إلا‬
                                                             ‫بطريقة تناولها واستخدامها الفني‪ ،‬حيث‬
     ‫شكلته قصائد الرواد؛إلى البحث عن‬                           ‫يفيض الشاعر عليها من روحة ويسقط‬
                                                           ‫عليها أنفاسة وعواطفة لتصبح لغة إيحائية‬
‫مستويات أخرى من التعبير اللغوي‪ ،‬لعل‬                           ‫تنزع قيودها المعجمية منطلقة لفضاءات‬
                                                             ‫أرحب وأوسع حامل ًة كل مقومات الإيحاء‬
‫أهمها ما يتعلق بالجانب الفلسفي للغة‬
                                                                                ‫والتأمل والإشارة»(‪.)2‬‬
   ‫وما تنتجة من طاقات إيحائية هائلة‪،‬‬                                ‫إن الظروف والأحداث الاجتماعية‬
                                                          ‫والسياسية والاقتصادية التي مر بها الجيل‬
       ‫ذلك لأن علاقات الكلمات وأبعادها‬                     ‫التسعيني في العراق هيأت الأجواء المناسبة‬
                                                              ‫للشاعر أن ينفض عن اللغة غبار سباتها‬
  ‫المجازية تتأتى بشكل تبئيري وبطاقة‬                        ‫الزمني ويخرج بها إلى فضاءات واسعة في‬
                                                            ‫إطار علاقات لها مستويات متعددة نحوية‬
                    ‫مشحونة بهذا التعدد‬                      ‫وصوتية ودلالية وفلسفية‪ ،‬وبهذا استطاع‬
                                                          ‫الخطاب الشعري أن يتحرر كثي ًرا من القيود‬
        ‫تأسي ًسا على ذلك تجاربهم في البحث عن لغة‬           ‫المنطقية بالانزياح عن قواعد ترتيب الجملة‬
          ‫جديدة‪ ،‬وهذا البحث أنتج جي ًل حرر نفسه‬         ‫وتطابقها واستحداث علامات ودلالات جديدة‬
                                                       ‫للالفاظ‪« ،‬فلم يعد الشاعر يتعامل مع اللغة على‬
       ‫ولغته من الأطر الجاهزة المتوارثة والتي قيده‬      ‫أنها مجرد لفظ صوتي له دلالة ومعنى»(‪ ،)3‬إذ‬
          ‫بها أولئك الذين ينتمون لروح عصر آخر‪،‬‬            ‫انزاحت اللغة إلى فضاءات نثرية ولغة يومية‬
           ‫وانفتح على آفاق تعبيرية تتوسل الرحابة‬          ‫بسبب انشغالها بإيصال الفكرة على حساب‬
         ‫والحرية لتصل التجريب بالفوضى الباحثة‬              ‫اللغة الفنية‪ ،‬وهذا ما يمكن تسميتة بالنظام‬
                                                        ‫اللغوي البسيط‪ ،‬والتي تكون فيه اللغة مألوفة‬
         ‫في الحطام عن أسلوب جديد لمقاربة الوجود‬           ‫متداولة وقريبة التناول تجري وفق القواعد‬
           ‫والأشياء والتفاصيل المفتوحة على حقيقة‬        ‫المعروفة في البنية والتركيب‪ ،‬والجمل فيها لها‬
          ‫الإنسان‪ ،‬واقتحامه الحياة والوقائع دام ًجا‬         ‫معان محددة لا تتحمل التأويل‪ ،‬تهدف إلى‬
                                                         ‫إبلاغ أو إيصال الشيء‪ ،‬أما الصور الشعرية‬
        ‫المعيش بالمتخيل في مشهدية شاسعة تعصف‬           ‫التي ترافق النسق اللغوي وتنسج شبكتها فهي‬
             ‫بها الهواجس من كل الجهات‪ ،‬جي ًل من‬            ‫مثلها واضحة وشفافة لا تتحمل أي خلاف‬
                                                        ‫بين المتلقين في تأويلها لأنها قريبة من نظامها‬
       ‫الشعراء الذين يحاولون دخول مناطق جديدة‬
            ‫للشعر عبر بوابة اللغة‪ ،‬محاول ًة لتأسيس‬                              ‫اللغوي الذي يحكمها‪.‬‬
                                                            ‫ومع مجيء جيل جديد من شعراء قصيدة‬
        ‫عالم شعري لا يلتفت إلى خلف‪ ،‬بل يبحث في‬           ‫النثر والتي يمكن تسميتها بالقصيدة النثرية‬
          ‫التراث عما يحفزة على القفز أما ًما في كتابة‬    ‫بعد عام ‪ ،2003‬أدرك شعراء هذه المرحلة أن‬
                                                           ‫النقطة التي يتم البدء منها في كل شيء هي‬
     ‫الشعر الحداثوي المستشرق آفاق تحقق الحرية‬           ‫اللغة‪ ،‬أدركوا أنها الدال والمدلول م ًعا‪ ،‬فانطلقت‬
                                    ‫الشعرية المبدعة‪.‬‬

           ‫ولعل النصوص الشعرية التي تطرح على‬
          ‫الساحة الآن تندرج في سياق دوائر دلالية‬
       ‫وفلسفية متشابكة في سلسلة سردية شعرية‬
        ‫لا تتوقف إلا في المشاهد التي يقطعها الإيقاع‬
     ‫التفعيلي‪ ،‬وهي تتشكل من خلال بعدين‪ :‬سياقي‬
        ‫يعمل على توالي الجمل الشعرية دون توقف‪،‬‬
   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30