Page 30 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 30

‫العـدد ‪24‬‬    ‫‪28‬‬

                                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬

       ‫التقدم)‪ .‬الحرية بالمفهوم الواسع الذي ُيم ِّكن‬  ‫لويس ألتوسير‬  ‫عبد المنعم تليمة‬
   ‫الإنسان أن يدرك ما حوله ويتفاعل معه‪ ،‬ويحقق‬
                                                         ‫تراوحت بين «كفر أبو ح ّوا» في إحدى وعشرين‬
      ‫إرادته‪ .‬الحرية التي تمكنه من قهر الضرورة‬               ‫مرة‪ ،‬و»شبرا الخيمة» في ثماني عشرة مرة‪،‬‬
‫وتجاوزها‪ .‬وتساعده على التقدم بالمعنى الاجتماعي‬
                                                         ‫و»مدينة نصر» مرتين‪ ،‬و»باسوس» مرة‪ .‬ومدار‬
   ‫الذي يجعله في جدلية دائمة مع حركة التطور في‬        ‫الأحداث في الزمن الحاضر في مدينة نصر وكفر أبو‬
     ‫الواقع المعيش‪ ،‬وإذا كانت فكرة التقدم مرتبطة‬      ‫ح ّوا‪ ،‬ومدار الأحداث البعيدة في مدينة شبرا الخيمة‬
     ‫بالإنسان بالمعنى الذي سبق توضيحه فإن كل‬
                                                            ‫وباسوس‪ .‬وهو ما قد يوحي –ظاهر ًّيا‪ -‬بشبه‬
 ‫شكل من أشكال التطور في الأدوات يؤسس لمفهوم‬               ‫التكافؤ على المستوى الكمي بين أحداث الماضي‬
    ‫تقدمي؛ أي إننا نعي فار ًقا بين التطور والتقدم‪،‬‬       ‫وأحداث الحاضر مع ميل نسبي للحاضر (وهذه‬
     ‫فالأول «تحكمه القوانين العامة للجدل‪ .‬ويسير‬
                                                                              ‫نتيجة تحتاج إلى فحص)‪.‬‬
  ‫التطور في شكل حلزوني‪ .‬ولكل عملية من عمليات‬               ‫أما أسماء الشخصيات التي جاءت في العناوين‬
      ‫التطور بداية ونهاية‪ ،‬وتكون النهاية متضمنة‬        ‫الداخلية فقد توزعت بين ابنتي عبد المؤمن السعيد‬

  ‫بالفعل في اتجاه من البداية‪ ،‬واكتمال دائرة واحدة‬           ‫وزوجه‪ ،‬فابنته فاطمة اثنتان وعشرون مرة‪،‬‬
  ‫يدل على بداية أخرى جديدة‪ ،‬قد تتكرر فيها بعض‬              ‫وكذلك ابنته فاتن اثنتان وعشرون مرة أي ًضا‪،‬‬
                                                         ‫وزوجه إيمان تسع عشرة مرة‪ .‬وهم رواة أي ًضا‬
     ‫ملامح الدائرة الأولى»(‪ .)6‬أما الثاني التقدم فهو‬   ‫لهذه الفصول‪ .‬في الوقت الذي كان فيه عبد المؤمن‬
    ‫يشكل مع النكوص «شكلان متعارضان للتطور‬             ‫السعيد راو ًيا ثماني عشرة مرة‪ .‬ويضاف إلى هؤلاء‬
    ‫الاجتماعي ككل [‪ ]..‬ويدلان على التوالي‪ ،‬إما على‬    ‫الرواة را ٍو آخر يمكن أن نطلق عليه راوي الرواة أو‬
                                                      ‫ما يعرف في السرد الحديث بالراوي العليم بضمير‬
      ‫التطور التقدمي للمجتمع في اتجاه صاعد أي‬             ‫الغائب‪ ،‬وهو الذي روى الفصل التمهيدي‪ ،‬وهو‬
‫ارتفاعه‪ ،‬أو الارتداد إلى الأشكال القديمة التي انتهى‬   ‫يفوق الجميع في الرواية؛ لأنه روى خم ًسا وعشرين‬

  ‫عهدها أي الركود والتدهور»(‪ .)7‬وهو ما يجعلنا –‬                                                  ‫مرة‪.‬‬
 ‫مفاهيميًّا‪ -‬نتعامل مع كل شكل من أشكال التطور‬            ‫ويبقى التساؤل‪ :‬ما دلالات هذه الأرقام جماليًّا؟‬
                                                          ‫وفقا للغاية الكبرى للمشروع الروائي‪ ،‬تؤس ُس‬
                      ‫بوصفه خطوة نحو التقدم‪.‬‬              ‫الرواي ُة عم َلها على ثنائية مهمة‪ ،‬وهي (الحرية‪/‬‬
  ‫وقد نجحت الرواية –جماليًّا‪ -‬في الكشف عن هذه‬

      ‫الثنائية‪ ،‬ثنائية الحرية والتقدم بتقسيم ثنائي‬
‫للرواية‪ ،‬اعتمد قس ُمه الأول بالكامل مخالف َة الترتيب‬

   ‫السردي في اثنين وتسعين فص ًل لأحداث دارت‬
     ‫من يناير ‪1966‬م إلى مارس ‪2011‬م‪ .‬في الوقت‬

‫الذي كان فيه القسم الثاني يضم ثلاثة عشر فص ًل‬
    ‫متص ًل‪ ،‬تخلله استرجاع في الفصل السادس‪ ،‬لا‬

‫يخلو من دلالة؛ لأنه يؤسس لجدل مع الماضي ينتج‬
   ‫عنه كيفية جديدة (سنزيد الأمر تفصي ًل لاح ًقا)؛‬

 ‫أي أن القسم الثاني يمثل حركة (التقدم) إلى الأمام‬
   ‫نحو حاضر أكثر إشرا ًقا‪ .‬وهو مشرق لأن بعض‬
  ‫الشخصيات استطاعت أن تقهر ضرورتها‪ ،‬وتعي‬
   ‫واقعها المعيش‪ .‬وهو ما يتسق جماليًّا مع الثنائية‬
   ‫التي تؤسس لها الرواية‪ :‬ثنائية الحرية والتقدم‪.‬‬

‫وهو ما يشير في المجمل إلى جدل ف ّعال مع الماضي؛‬
       ‫لتأسيس واقع جديد لصالح الحاضر‪ ،‬والميل‬

‫النسبي في رواية الأحداث كميًّا ‪-‬المشار إليه ساب ًقا‪-‬‬
   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35