Page 33 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 33
ووفقا لألتوسير ،فإن الإنسان إما أن يقع أو هارون الرشيد الذين انتقلوا من
في منطقة الوعي /الشعور أو في منطقة التاريخ إلى السيرة.
اللاوعي /اللاشعور .وتنهض الشخصيات وأكد حضور عبد المؤمن في كفر
المستنيرة من منطقة الوعي ،وتستطيع أبو ح ّوا مجهو ًل بين الناس ،فقدان
الفعالية الإيجابية لصور الماضي في
أن تتقدم ،وتكون فاعلة في المجتمع جدلها مع الحاضر ،والفرصة الأخيرة
التي أتيحت له أن يخطو خطوة أخرى
عن طريق قهر الطبيعة وإقامة علاقات نحو التقدم هي وجوده في الميدان بعد
صحيحة مع من حولها؛ مما يمكنها أن شاهد ابنته الجريحة تسقط في
الميدان .لقد كان من الممكن أن يحرر
من إدراك واقعها المعيش ،وتحقيق ما عبد المؤمن نفسه ،ويستعيد عافيته
يطلب منها من أدوار بتضميد جروح ابنته ومشاركتها
الوصول إلى حرية مفقودة أم ًل في
مستقبل متقدم ،ولكنه نكص.
واتسا ًقا مع نقطة التقاطع التي
حددناها روائيًّا بمولد يحيى ثم
بوفاته ،سيحصر عبد المؤمن -جماليًّا -في أساليب
يا خبر ..إنه عبد المؤمن الحوار السردي (داخل دائرة الأسرة) حيث
فجاءنا صوت واهن مترع بالامتثال للمقادير:
أهلا يا إيمان ..نعم ..أنا عبد المؤمن» [الرواية تختزن الرواية لاستحضار صورة الأب أو الزوج
ما يسميه ليتش وشورت بالكلام المباشر ،يظل
ص.]314
لقد ورد على لسان الساردة /الابنة ألفاظ (الرجل) دائ ًما محصو ًرا بين قوسين لا يتجاوزه إلى حوار
ف ّعال ،وهذا نموذج له من سرد فاطمة« :في البداية
للدلالة على الأب ،وكأن عدم منحه لقب أبي هو ظننت أنك ستتقمص إحدى الشخصيات المسيحية
ضرورة يجب قهرها نحو التقدم .وفي مقابل ذلك
أو اليهودية في مسلسل جديد ،وأنك ترغب في
كان الانتساب للأم في لفظ أمي التي استجابت الاستزادة من المعلومات الدينية حتى تتقن تجسيد
للتقدم لا النكوص ،وهو التقدم الذي يمثله جميل، الشخصية ،لكنك نفيت ذلك عندما سألتك [وقلت لي
وداله هنا منح لقب عمو ،ووصف تمسك الأم به برفق :الاطلاع على الكتب المقدسة ضرورة يا بنيتي
عن طريق الفعل تلتصق بجميل .ثم لا تظهر في لنفهم ديننا أكثر]» [الرواية ص.]12
باقي المشهد دمو ًعا ،ولكننا نعرف ذلك من لفظ أما المرة الوحيدة التي تكون فيها المواجهة بين
الدائرتين (فكر الشخصية المستنيرة جميل مع فكر
الأب: عبد المؤمن) ستكون إعلا ًنا بتأسيس الواقع الجديد
-لا تبك يا فاتن ..لقد انتهى الأمر .ص.315 بمفاهيم جديدة ،وإخبا ًرا صري ًحا بأحقيته بوصفه
وهو أمر لا يخلو من دلالة جمالية ،فمشاعر الأب/ نموذ ًجا متقد ًما .وهذا ما يمكن أن نستشفه من
الماضي هي التي تحكي الموقف .فأين دموع الابنة زيارة جميل وإيمان وفاتن (وغياب فاطمة له دلالة)
المتطلعة إلى المستقبل؟ ثم يسأل الأب «أين فاطمة؟
فلم يجبه أحد» .ويستمر المشهد بالانفصال الكلي إلى عبد المؤمن الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة في كفر
بين الأب /الماضي والابنة /الحاضر المتقدم بوفاة أبو ح ّوا .في هذا المشهد السردي بين فاتن وإيمان
من جهة وأبيها من جهة أخرى ،تقول فاتن ساردة :الأب ،وبقاء الحاضر المتقدم .تقول الساردة:
«فجذبني باسم برفق من فوق صدر أبي الذي
«بصعوبة فتح الرجل عينيه ،فهتفت أمي وهي
واصل كلامه بنبرة وداعية شجية: تلتصق بعمو جميل: