Page 31 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 31
29 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
إن عبد المؤمن حين هجر بيت الزوجية في (مدينة لصالح الحاضر يتحول إلى دال كيفي يرسخ مفهوم
نصر) ،وهي إحدى المدن التي تشير إلى شكل من (التقدم).
أشكال التطور في الأدوات ،أراد بهجرته العودة إلى
ما يسمى بترييف المدينة( ،)9وهو ما يمثل نكو ًصا ويبدو من التقسيم الثنائي المحكم للنص الروائي،
أنه لا يخلو من بناء منطقي في ترتيب الأحداث ،وقد
اجتماعيًّا إلى الماضي يتعارض مع مفهوم التقدم
الذي تؤسس له الرواية. ح ّزم الأحدا َث دلال ٌة زمانية لافتة للنظر ،وهي أن
محور الأحداث (شهر يناير) في سنوات مختلفة.
()3
وهو أمر يتشابك جماليًّا مع ثورة يناير؛ أي إن
ووفقا لألتوسير ،فإن الإنسان إما أن يقع في منطقة اختيار شهر يناير هو اختيار مقصود للدلالة على
الوعي /الشعور أو في منطقة اللاوعي /اللاشعور. الفكر الثوري .وهذا التشابك هو ما يجعل الرواية
وتنهض الشخصيات المستنيرة من منطقة الوعي، تتجادل مع قضايا الواقع ،وتتجاوز مفاهيم
وتستطيع أن تتقدم ،وتكون فاعلة في المجتمع عن التشظي والتفتيت والتجاور التي غلفت الأعمال
طريق قهر الطبيعة وإقامة علاقات صحيحة مع الروائية قبل ثورة يناير ،أو ما عرف بروايات ما
من حولها؛ مما يمكنها من إدراك واقعها المعيش، بعد الحداثة( .)8أما في عصر الثورات فإنه يمكن
وتحقيق ما يطلب منها من أدوار؛ أي إن الوعي هنا
مرحلة تالية للوجود .وهو يتشكل به من خلال ما تقبل كل شيء؛ لذلك لم يكن عجبًا أن تؤسس
يدركه بالحواس .في المقابل توجد شخصيات غير الرواية بنا ًء معرفيًّا مخال ًفا مع الروايات التي ألِفت
فاعلة لا تستطيع أن تلبي احتياجاتها الضرورية،
وتفشل في إدراك واقعها فتهاجمه أو تنسحب منه. الانحسار والسوداوية والتفتيت ،وتؤسس عن
طريق التشاكل والمخالفة معها بنا ًء منطقيًّا يتشابك
والإنسان الذي يحدد مساره ويحقق هدفه هو مع الواقع الاجتماعي المعيش ،وهو جماليًّا صورة
الشخص الواعي المستنير الذي يصل إلى ما يريد
من صور التقدم.
عن طريق العمل. يستمر البناء المنطقي في توزيع رواية الفصول
والتساؤل الآن :كيف استطاعت الرواية جماليًّا أن على الأشخاص ،وقد توزع بين أفراد أسرة عبد
المؤمن ،كما أسلفنا القول ،زوجته تسع عشرة مرة،
تكشف عن الصورتين؟ وهو عبد المؤمن ثماني عشرة مرة ،والابنتان لكل
قد يبدو مفي ًدا أن نقول مرة أخرى إن هناك دائرة واحدة اثنتان وعشرون .عبد المؤمن هو الوحيد
مشتركة بين (الشخصية الواعية /جميل الشناوي) الذي نكص إلى الماضي ،وخرج من التاريخ /حركة
التقدم بابتعاده عن ممارسة هدفه والشعور بسيادة
و(الشخصية اللاوعية /عبد المؤمن) ،وتتمثل دود الأرض أشرس الكائنات وأخطرها وأبقاها على
الدائرة في أسرة عبد المؤمن «إيمان التي ستتزوج أجساد البشر (الرواية ص .)242وهم -باقي أفراد
لاح ًقا جميل الشناوي ،والبنتان فاطمة وفاتن اللتان الأسرة -واصلوا قهر الضرورة لتحقيق (الحرية).
تنتقلان مع أمهما في بيت جميل» .وستكون دوائر وتجاوبت الرواية جماليًّا مع مفهومي الحرية
المخالفة هي التي تؤسس سمات الشخصية (سفر والتقدم حين حرمت عبد المؤمن من أن يكون
جميل إلى فرنسا لمدة ربع قرن ،وعمله في المجلس عل ًما على أحد الفصول ،كما هو الشأن مع باقي
الأعلى للثقافة ،واختلاطه بالشباب في الثورة) ،وفي أفراد الأسرة ،واختزاله في المكان .وهكذا يتهاوى
المقابل سمات «عبد المؤمن الذي يعيش ضحية أم التقارب الكمي لصالح مفهوم (التقدم) .ويضاف
عاهرة وأب قضى مصيره في السجن ،وتكفل به إلى هذا الاختزال في المكان أنه ُح ِرم رواية الفصلين
المخصصين لـ(مدينة نصر) ،ولم ينفرد -وحده-
عمه ،وواصل حياته حيث التقى إيمان في معهد برواية الفصول المخصصة لــلأماكن الأخرى
الفنون المسرحية وتزوجها ،وعمل ممث ًل مغمو ًرا، (كفر أبو ح ّوا -باسوس -شبرا الخيمة)؛ لأن راوي
الرواة شارك في الرواية ،وبعدد يفوقه ك ًّما وكي ًّفا.
وقبعت في البيت» .أي إن الجدل الذي يؤسس