Page 32 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 32

‫العـدد ‪24‬‬   ‫‪30‬‬

                                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬

 ‫‪ -‬يا عبد المؤمن‪ ..‬أريد أن أذكرك فقط بأنه ابني أنا‬           ‫لكيفية جديدة لا يتحدد عن طريق مباشر أو‬
                        ‫أيضًا) [الرواية ص‪.]296‬‬          ‫مواجهة مباشرة بين فكر عبد المؤمن وفكر جميل‬
                                                        ‫الشناوي‪ ،‬ولكنه يتم عن طريق قدرة كل منهما في‬
     ‫أما الحدث الأخير الذي يغيب فيه عبد المؤمن‪/‬‬
 ‫الماضي على المستوى الرمزي‪ ،‬أو بمعنى آخر يظهر‬                   ‫المنطقة المشتركة (إيمان وفاطمة وفاتن)‪.‬‬
                                                      ‫بالنظر إلى دائرة عبد المؤمن سنجد أن نقطة التقاطع‬
     ‫فيه عجزه عن الصيرورة‪ ،‬فهو ما رواه راوي‬
   ‫الرواة الذي يسيطر على البناء المنطقي بأكمله في‬         ‫الحقيقية –روائيًّا‪ -‬بين دائرتي الوعي واللاوعي‬
                                                      ‫تبدأ بمولد يحيى في الرابع من يناير ‪1999‬م‪ ،‬ويعلن‬
     ‫الرواية‪ ،‬وهو الحدث المتعلق بأهم أدوار الممثل‬
‫المغمور‪ ،‬والذي كان بإمكانه أن يواصل عبره حركة‬           ‫عنها في الرواية مع الفصل الأول من بداية القسم‬
 ‫التقدم نحو تحقيق أهدافه‪ ،‬إنه الدور الذي أدى فيه‬         ‫الثاني‪ ،‬الميلاد بشارة وطهارة ومستقبل‪ ،‬ولكنها‬
                                                        ‫أمور لا تأتي عبثًا بل يبذل لها الدم حتى تستمر‪،‬‬
  ‫شخصية الشاعر العربي الفرزدق‪ .‬وهو حدث ذو‬                ‫وهكذا في كل أمر ثوري تبذل تضحيات من أجل‬
   ‫ارتباط وثيق بتغييب يحيى؛ لأنه جاء بعد ولادة‬            ‫الحلم‪ .‬وقد أشرت إلى استرجاع وقع في الفصل‬
                                                       ‫السادس من القسم الثاني في البناء الروائي‪ ،‬وقلت‬
‫الأخير بيومين‪ ،‬يقول الراوي‪« :‬وبالفعل حقق الممثل‬         ‫‪-‬في موضع سابق‪ -‬إنه لا يعوق حركة التقدم بل‬
‫المغمور حضو ًرا لا بأس به عندما تقمص شخصية‬              ‫يؤسس له‪ .‬وهو ما يمكن أن نتبينه ‪-‬جماليًّا‪ -‬هنا‬
                                                       ‫في رصد عدة حوادث‪ :‬الأول‪ :‬تغييب الابن (يحيى)‬
    ‫الشاعر العباسي في مسلسل تاريخي‪ ،‬وقد قام‬              ‫بالموت‪ ،‬ولا يخفى دلالة الترميز في اختيار الاسم‬
‫بتكبير صورته في المسلسل وعلقها في وسط الصالة‬             ‫الذي يوحي بالبقاء‪ ،‬ويتماثل مع رغبة الأب الذي‬
‫إعجا ًبا بنفسه وبأدائه‪ ،‬لكن المخرجين لم يلتفتوا إلى‬     ‫يؤسس للمفهوم البطريركي الأبوي وهو يخاطب‬
‫موهبته‪ ،‬وكثير منهم انزعج منه ونفر من طبعه غير‬         ‫زو َجه المعا ِت َبة له إهمال البنتين في مقابل تدليل الولد‬

  ‫الأليف‪ ،‬وكمونه داخل ذاته ورفضه السهر معهم‪،‬‬                                          ‫في المشهد الآتي‪:‬‬
 ‫فلم يفكروا في منحه أدوا ًرا كبيرة تستلزم التعامل‬     ‫«‪ -‬هل نسيت فاطمة وفاتن؟ إن يحيى يستحوذ على‬

      ‫معه فترات طويلة» [الرواية ص‪.]296-295‬‬                                               ‫جل اهتمامك؟‬
    ‫جاء هذا تعقيبًا على قول عبد المؤمن لزوجته في‬                   ‫فقال لها وهو يرفعه إلى أعلى ليداعبه‪:‬‬
  ‫مشهد حواري‪ -« :‬أنسيت أن أهم أدواري ‪-‬وهو‬                    ‫‪ -‬إنه من يحمل اسمي وسيسطره في سجل‬
                                                       ‫الخالدين بإذن الله» [الرواية ص‪ -295‬التأكيد من‬
      ‫دور الفرزدق‪ -‬قد حصلت عليه عقب ولادته‬                          ‫عندي‪ ،‬وكذا في كل النقول اللاحقة]‪.‬‬
         ‫بيومين اثنين فقط‪ .‬إنه البشرى المتلالئة»‪.‬‬      ‫يؤسس المفهوم (البطريركي) لعدم (التواصل) مع‬
                                                        ‫مفهوم (التقدم)‪ ،‬وقد عبر عن ذلك بمشهد ينقطع‬
  ‫جاء التغييب هنا تأكي ًدا لغياب فاعلية الواقع الذي‬    ‫فيه عبد المؤمن عن مواصلة أهدافه وقهر الاغتراب‬
  ‫يؤسس له الماضي‪ ،‬فلن يضير الحاضر أن يكون‬                    ‫الذي لحقه بوصفه ممث ًل مغمو ًرا؛ أي فقدان‬
 ‫الفرزدق أمو ًّيا أو عباسيًّا‪ ،‬وهو من المؤكد ليس من‬       ‫التواصل مع من حوله‪ .‬يقول الراوي في حدثين‬
 ‫مخضرمي الدولتين‪ ،‬ومن ثم كان وصفه بالشاعر‬                ‫متتابعين روائيًّا‪« :‬ولما وصل إلى السابعة أضحى‬
   ‫العباسي مقصو ًدا‪ ،‬وليس من أوهام التأليف‪ ،‬إنه‬           ‫يحيى المرافق الأول لأبيه‪ ،‬يصطحبه معه في كل‬
 ‫تغييب مقصود من الراوي الذي يرفع قواعد بنائه‬             ‫مكان‪ ،‬لدرجة أن عاتبه أحد المخرجين في الإذاعة‬
 ‫المنطقي على دال التقدم لا النكوص‪ .‬وصحيح أنني‬           ‫لأنه يعطله عن العمل بشقاوته‪ ،‬فقرر ألا يعمل مع‬

     ‫ألمحت إلى شيء من أوهام التأليف في مواضع‬                                  ‫هذا المخرج بعد ذلك أب ًدا‪.‬‬
 ‫أخرى في النص لكنني أميل هنا إلى القصدية‪ .‬وإن‬           ‫وقد تعلق الطفل بوالده تعل ًقا َم َرضيًّا دفع أمه لأن‬

     ‫كان هذا يقتضي معالجة ورود وسم الفرزدق‬                             ‫تهمس في أذن عبد المؤمن معاتبة‪:‬‬
 ‫بالشاعر العباسي على لسان إيمان في موضع آخر‬
 ‫ص‪( 29‬سنعالج هذا الأمر لاح ًقا) ومناقشة أخرى‬

     ‫‪-‬ليس هذا البحث مكانها‪ -‬في أحقية الكاتب في‬
‫تغيير حقائق عامة لا تنتج شك ًل فنيًّا جدي ًدا؛ أي إن‬

  ‫الفرزدق ليس صورة عنترة أو صورة أبي نواس‬
   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37