Page 34 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 34
العـدد 24 32
ديسمبر ٢٠٢٠
لغياب الفن بوصفه قوة ناعمة مؤثرة ،وهو دال « -إنني ذاهب إلى حيث لا عودة ..فلا تحزنوا ولا
نكوص أدى إلى تصعيد (حسن والي الفنان الفاشل تبلِّغوا أح ًدا عن أنني ما زلت حيًّا حتى لا تضطرب
حياتكم ..أكملوا مسيرتكم كما هي ..مبروك يا إيمان
ابن المنتج التاجر ،وتغييب المواهب الحقيقية/ زواجك ..علمت أن زوجك رجل فاضل غير مهموم
عبد المؤمن ،أو توجه أصحاب المواهب إلى الجانب
التجاري لا الفني = زواج فايزة السعدني من حسن بدود الأرض ..دعوا هذه السيدة تدفنني هنا..
والي) .إن بناء شخصية إيمان في النص الروائي وعودوا من حيث أتيتم» [الرواية ص.]315
يعني امتدا ًدا لهبوط دور الفن ،ومع ذلك قبول وتقف كل جملة وردت على لسان عبد المؤمن دا ًّل
الشخصية التقدمية هو إشارة إلى أن المؤلف لا يريد قائ ًما بذاته على التأسيس لقيم الحاضر المتطلع إلى
بناء شخصية مؤدلجة ،وإقامة توازن ما بين البناء
الأمام.
الفلسفي والبناء الأدبي .ولا يمنع هذا من القول ويبقى التساؤل :كيف استطاعت الشخصية
إن بناء شخصية إيمان يشير إلى سهولة السيطرة المستنيرة /جميل أن تحقق ما عجزت عنه فكر
الشخصية غير المستنيرة /عبد المؤمن؟ ولماذا غابت
عليها من شخصية واعية ،وهو ما يجعله مأز ًقا دموع فاتن في حضور أبيها؟ وما دلالة غياب فاطمة
فنيًّا في الكتابة الروائية؛ لأن الفكر التقدمي يرفض
في المشهد؟
من الإيديولوجيا /الدين سيطرتها على البسطاء يمكننا رصد تحولات المشهد جماليًّا من خلال
والمهمشين ،وصورة إيمان بهذا البناء الروائي يمكن علاقة جميل الشناوي بإيمان ثم بفاتن وفاطمة.
تبدو دوال التقدم -في هذا المشهد -من خلال صور
أن تكون نموذ ًجا للبسطاء ،وكأن الأمر لا يعدو التغير المبنية على التعدد وإبراز صور الاختلاف بين
أن يكون استبدال النموذج بنموذج آخر ،وتسقط واقع معيش يجب قهره ،وواقع آخر يبنى في ضوء
دعواهم .فكيف سيعالج الكاتب هذا؟ التحرر من الواقع المعيش.
تنهض الرواية كما قدمنا على تصور الجدل قائ ًما تكتشف إيمان (لاحظ أن الاسم يتقاطع مع عبد
بين عبد المؤمن وأسرته من جهة ،وجميل والأسرة المؤمن لف ًظا) للفوارق بين دوائر عمل الشخصية
المستنيرة الواعية الدكتور جميل (لاحظ دال اللفظ
نفسها من جهة أخرى ،وتصنع المقابلة بين الجميل وما يشابهه من صفات النبيل والجليل،
الصورتين -بشكل ما -الصيغة النهائية للجدل. وكلها دوال مهمة في الفكر التقدمي انظر صفحات
ومن ثم كانت با ًبا لإبراز هذا الجدل ،ودا ًّل على 319 ،105 ،94من الرواية على سبيل التمثيل)
فكرة التحرر والتقدم .تقول إيمان مث ًل« :عندما
ودوائر عمل الشخصية اللاوعية زوجها عبد
ذهبت إلى سريري في ذلك المساء سألت نفسي المؤمن .إن اللقاء الأول يتم بفعل بغياب الواقع
متعجبة :هل ح ًّقا تزوجت يو ًما ما من شخص المعيش (غياب عبد المؤمن دفع أحد مسئولي الثقافة
يدعى عبد المؤمن السعيد؟) ص .95وسيظهر تأثير إلى تعيين زوجه إيمان في لجنة القراءة المسرحية
شخصية جميل في أفعالها دون أن يكون مشار ًكا
في الحدث ،فهي تصف جميل بأنه «لا يمكن له التي يرأسها جميل).
أن ينطق بجملة عربية دون أن يطعمها بمفردة وهو توجه يفترض أن تمجه الشخصية التقدمية
فرنسية .لم يكن مفتع ًل أو مدعيًا ،وإنما ثقافته (فعل المجاملة -التعيين)؛ لأنه لا يعتمد على كفاءة
الفرنسية غالبة ومتجذرة في عقله ولسانه وبين (يلاحظ ورود اسم الشاعر الفرزدق على لسانها
شفتيه» ص .93وسيتسلل إلى إيمان هذا في حوار
مع ابنتها «برافو ..برافو ..يا بنتي!» ص.137 ونعته بالعباسي) وهو ما يعني جه ًل فاض ًحا
أما سر التساؤل :هل تزوجت رج ًل اسمه عبد (بدائرة عمل الزوج /عبدالمؤمن -فكرة التعيين
المؤمن؟ فيبدو أن فعل الزواج يقتضي سعيًا من بالمجاملة = عدم الكفاءة) ،وإن قبلناه من راوي
الزوج إلى الزوجة حتى تستشعر أنوثتها .ومع ذلك الرواة ،ووظف فنيًّا فهل يمكن أن يقبل من الزوجة
فإنها هي التي تسعى إلى الزواج من عبد المؤمن، الفنانة .ونستطيع أن نلمح -في النص -أنه امتداد
ويكون إتمام الموافقة من الطرف الآخر لتحقيق