Page 35 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 35

‫‪33‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫وهي التي تطلب أغنية أنت عمري‪ ،‬وهو لا يشارك‬         ‫(النفعي) من الزواج‪ ،‬وليس (الجمالي)‪ ،‬وهكذا يقبل‬
  ‫فعليًّا (حضور صورة فايزة السعدني = النكوص‬          ‫عبد المؤمن السعي إلى الزواج تحت وطأة الإحساس‬
‫إلى الماضي)‪ ،‬يقول الراوي‪« :‬ثم خطت خطوة كبرى‬
                                                         ‫بالجنس‪ ،‬وليس التواد والتراحم‪ ،‬يقول الراوي‪:‬‬
    ‫عندما طلبت من الفرقة الموسيقية أن تعزف لها‬            ‫«وهمست ضاحكة بعد أول رشفة من الشاي‪:‬‬
‫مقدمة أغنية أنت عمري ورقصت عليها وسط ذهول‬              ‫‪ -‬لا حل سوى الزواج‪ ..‬هو المنقذ لك من الشرود‬

  ‫الجميع‪ ،‬وبلغ الافتنان برقصها أن وصفوها بأنها‬                                                ‫الدائم!‬
   ‫تشبه تحية كاريوكا‪ ،‬وابتسم عبد المؤمن السعيد‬       ‫‪ -‬لكني لا أملك المال‪ ،‬وما زلت أقطن في شقة حقيرة‬
 ‫وهو يتابع جسد عروسه وهو يتمايل ويتقافز على‬
  ‫إيقاعات الموسيقى‪ ،‬واستسلم لخيال عجيب‪ ،‬ورنا‬                                           ‫بشبرا الخيمة!‬
                                                               ‫كأنها تحمست بكلامي‪ ،‬فهتفت مشجعة‪:‬‬
     ‫إلى مدخل الصالة التي يقام فيها العرس ممنيًا‬           ‫‪ -‬هذه مشكلات صغيرة سوف يتكفل الزمن‬
    ‫نفسه برؤية فايزة السعدني‪ ،‬وقال لنفسه‪ :‬ماذا‬
 ‫سيضير المقادير إذا قررت استبدال فايزة بإيمان؟‬                                             ‫بتجاوزها‬
 ‫ألن أكون أسعد عريس في العالم؟ وجذبته عروسه‬               ‫وبدون تفكير جدي وتحت ضغط نيران رغبة‬
  ‫برفق فعاد إلى دنيا الرقص والزغاريد والموسيقى‬
   ‫وقالت له بعينين تتألقان بالسعادة‪ :‬هيا‪ ..‬ارقص‬                     ‫جنسية لا تخمد قلت لها بعد تردد‪:‬‬
                                                                      ‫‪ -‬إيمان‪ ..‬هل تقبلين الزواج بي؟‬
                         ‫معي!» الرواية ص‪.263‬‬
        ‫أما مع جميل فهي تشير إلى دال التقدم من‬         ‫غضت بصرها خج ًل للحظة ثم انبعث من عينيها‬
‫الشخصية المستنيرة‪ ،‬فهو الذي يدير الأغنية نفسها‪،‬‬                         ‫بريق ساحر مطمئن‪ ،‬وهمست‪:‬‬
      ‫وهو الذي يطلب الرقص منها = ما أسمته في‬                               ‫‪ -‬هذا أسعد يوم في حياتي!‬
‫النص السابق بالسطو اللذيذ‪ ،‬ومن ثم سيكون فعل‬
   ‫السعادة ونجاحه نو ًعا من التحول المؤكد للكيفية‬       ‫فقلت لنفسي ساخ ًرا إيمان في اليد ولا فايزة على‬
    ‫الجديدة‪ ،‬تقول الراوية‪« :‬وإذا به يفاجئني طالبًا‪:‬‬      ‫الشاشة ثم مضت تحكي لي بسعادة‪ »..‬الرواية‬
                                                                                           ‫ص‪.247‬‬
                  ‫حبيبتي‪ ..‬ارقصي لي من فضلك!‬
     ‫للحظة اعتراني خجل‪ ،‬وتأملت جسدي الممتلئ‬          ‫في مقابل هذه الصورة النفعية التي انتهت بنكوص‪،‬‬
      ‫نسبيًّا‪ ،‬وسألته بنظراتي كيف؟ لكنه شجعني‬         ‫تأتي صورة الدكتور جميل المثقف الذي يرغب هو‬
 ‫بعينيه‪ ،‬ونهض ليدير موسيقى أغنية (أنت عمري)‬            ‫في الزواج‪ ،‬ويبرز الجمالي عنده قبل النفعي‪ ،‬تقول‬
       ‫لأم كلثوم‪ ،‬واقترب مني‪ ،‬ووهبني قبلة دافئة‬      ‫إيمان‪« :‬كأني صبية مراهقة‪ ،‬أنتظر خطواته الجريئة‬
     ‫أشعلت حواسي كلها‪ ،‬وهمس‪ :‬هيا يا حبيبتي‪..‬‬
‫ارقصي لي!» ص‪ .240‬ثم تتابع مقارنة «[‪ ]..‬وهكذا‬               ‫بحرقة‪ ،‬وأرتبك تما ًما عندما يقدم عليها‪ ،‬وهل‬
   ‫كنت المرأة الوحيدة التي رقصت مرتين في ليلتي‬          ‫كنت تتوقعين لحظة يا إيمان وأنت على مشارف‬
  ‫زفافها وقد مضى على الرقصة الأولى ربع قرن»‪.‬‬           ‫الخمسين أن تتمتعي بقبلة عميقة داخل سيارة في‬
       ‫وسيكون استخدام لفظ (القرن) أو ما يشير‬
    ‫إلى زمن كبير مثل ألفاظ العقود دلالة على الهوة‬                                      ‫الطريق العام؟‬
‫الواسعة بين الماضي وحركة التقدم‪ .‬وهو ما تؤكده‬          ‫كيف حدث؟ إن جميل الشناوي يمتلك الحسنيين‪:‬‬
 ‫بقولها في موضع آخر‪« :‬تيقنت أن جميل الشناوي‬           ‫جرأة الشاب العاشق ولامبالاته بالعواقب‪ ،‬وحكمة‬
     ‫هو مستودع الرجولة الحقيقي وأن عبد المؤمن‬           ‫الرجل الكهل‪ ،‬وفي أقل من عشرة أيام تمكن هذا‬
      ‫لم يكن زو ًجا أو حبيبًا لي‪ ..‬بل مجرد شخص‬
  ‫عشت معه ربع قرن» ص‪ .223‬وفي موضع ثالث‪:‬‬                   ‫الرجل من السطو على خيالي‪ .‬ح ًّقا‪ ..‬إنه السطو‬
     ‫«تذكرت حوا ًرا مشاب ًها جرى في القرن الماضي‬        ‫اللذيذ‪ ..‬السطو الذي ترضى به النساء وتتمناه‪..‬‬
                                                      ‫السطو الذي يحمي ويصون ويورق الجسد الذابل‬

                                                                  ‫ويحيي الروح الميت» الرواية ص‪.93‬‬
                                                       ‫وتشير إلى مشهد مماثل في ليلة عقد القران بينها‬
                                                     ‫وبين عبد المؤمن ثم بينها وبين جميل‪ ،‬وفي كل مرة‬

                                                         ‫تأتي أغنية أنت عمري‪ ،‬في المرة الأولى هي التي‬
                                                      ‫تطلب من عبد المؤمن فعل المشاركة «ارقص معي»‪،‬‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40