Page 37 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 37

‫‪35‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

     ‫في مشهد وفاة الأب هو نوع من أنواع تراجع‬          ‫وحركة أحمد البطيئة لتكون علامة على هذا الفارق‬
‫صورة يحيى عبد المؤمن أو صور الرجعية‪ ،‬ونجاح‬            ‫«بعكس حركة أحمد البطيئة في السير‪ ،‬مشى باسم‬

      ‫(جميل‪ /‬الصورة المثلى للتقدم في الرواية) في‬          ‫كأنه يهرول‪ ،‬خطواته واسعة وسريعة‪ ،‬فبذلت‬
‫القضاء على (السلطوية‪ /‬الضابط عاطف بجهاز أمن‬               ‫مجهو ًدا زائ ًدا لأظل بجواره» ص‪ .104‬وهو ما‬
                                                      ‫يجعل كل فعل من باسم هو فعل نفعي وجمالي في‬
   ‫الدولة) هو انتصار للتقدم والحرية؛ لذلك وجدنا‬        ‫مقابل ثبات أحمد عند النفعي فقط‪ ،‬وهكذا صاغت‬
          ‫العبارات الكاشفة تدور على لسان جميل‪:‬‬         ‫عباراتها نحو باسم «يتمتع بعينين لا تتوقفان عن‬
                                                        ‫إطلاق أشعة ضوء مبهر وآسر ص‪ ،105‬رمقني‬
 ‫‪ -‬قريبا جدا ستنالين حريتك يا فاطمة وتتخلصين‬             ‫بنظرة أثارت ورد أنوثتي ص‪ ،105‬أذوب عش ًقا‬
                    ‫من كابوس عاطف‪ .‬ص‪.264‬‬                   ‫في باسم ص‪ ،106‬يتقن فنون التعبير بالكلمة‬
                                                         ‫ص‪ ،138‬مغازلة بأرق الكلمات حتى كدت أطير‬
    ‫‪ -‬للأسف يا إيمان‪ ..‬هناك خطأ كبير في طريقة‬         ‫ص‪ .»236‬ومن ثم ستحاول أن ترسم لنفسها مع‬
    ‫تأسيس ضابط الشرطة في مصر‪ ..‬إنهم يعدونه‬             ‫باسم نموذ ًجا آخر لعلاقة إيمان بجميل «سأطلب‬
‫لكي يتلقى الأوامر أو يعطي الأوامر فقط‪ ..‬لا نقاش‬       ‫من باسم أن نقضي شهر العسل في فندق سيسيل‬
                                                       ‫بالإسكندرية‪ »..‬ص‪ ،285‬وهو ما لباه باسم قو ًل‬
      ‫ولا إعمال للعقل‪ ،‬ولما استدعاه مساعد الوزير‬          ‫ص‪ .288‬وأخي ًرا فإنه حامل رسالة الفن الذي‬
   ‫ووبخه على تصرفاته مع زوجته وهدده بأنه قد‬              ‫سيغزل العلاقة بين يوميات الثورة وأسرة عبد‬
  ‫يؤثر على مستقبله المهني انصاع في الحال ووافق‬       ‫المؤمن ويختار لها اسم الكومبارس ص‪.319 -318‬‬
                                                           ‫أما العلاقة الثالثة والأخيرة بين فاطمة وأبيها‬
                           ‫على الطلاق! ص‪.303‬‬             ‫وزوج أمها فهي علاقة تؤسس لمواجهة السلطة‬
     ‫ويأتي على لسان فاطمة ما يؤكد دائرة التقدم‪،‬‬           ‫بمفهومها الرمزي المتحقق في شخصية عاطف‬
  ‫ويرسخ كيفية جديدة تبتعد عن التكريس الأبوي‪،‬‬              ‫زوجها‪ ،‬ورحلة البحث عن الحرية التي تتطلب‬
                                                          ‫مواجهة أيديولوجية السلطة والأجهزة الأمنية‪.‬‬
                            ‫والتكريس السلطوي‪:‬‬              ‫ونستطيع أن نبدأ الرصد من (المولود يحيى)‬
      ‫‪ -‬وطاف خيال أبي أمام عيني‪ ،‬وللمرة الأولى‬           ‫فقد تراجع (يحيى عبد المؤمن‪ /‬الفكر البطركي)‬
  ‫أوجه له السباب واللعنات وألومه بحدة‪ ..‬لو كنت‬         ‫و(يحيى أحمد صادق‪ /‬الحلم الواقع تحت الرغبة‬
 ‫معنا ما تجرأ عاطف على إهانتي واحتقاري وإذلالي‬         ‫الجنسية = النفعي)‪ ،‬واحتفظت الرواية بــ(يحيى‬
                                                     ‫عاطف) وكانت المواجهة قائمة بين احتفاظ السلطة‪/‬‬
            ‫باصطحاب الداعرات إلى بيتي‪ .‬ص‪.76‬‬               ‫عاطف بالابن أو انتقال يحيى إلى دائرة التقدم‬
       ‫‪ -‬ماما‪ ..‬هل يمكن أن أحظى بزوج مثل عمو‬               ‫بانتقاله مع أمه وجدته لأمه حيث يقيم جميل‬

                                        ‫جميل؟!‬                                             ‫الشناوي‪.‬‬
     ‫قالت ذلك وهي ترنو إلى البحر الممتد بلا نهاية‬          ‫لقد ع ّمق الكاتب فكرة تراجع الابن يحيى عبد‬
                                                         ‫المؤمن (الفكر البطريركي) عن طريق آخر‪ ،‬وهو‬
                                       ‫ص‪.270‬‬           ‫بقاء حفيد عبد المؤمن (يحيى)‪ ،‬وانفصال الأبوين‬
  ‫ويعد انتقالهم جمي ًعا من العيش في (مدينة نصر)‬       ‫الأم فاطمة (صورة من الصور نحو التقدم) والأب‬
                                                       ‫عاطف (صورة من صور الأيديولوجيا‪ /‬السلطة)‬
     ‫وهو نموذج تقدمي على مستوى حركة التمدن‬           ‫التي تعوق حركة التقدم‪ ،‬ومن ثم كان الانفصال هو‬
     ‫إلى السكن في فيللا بمنطقة (التجمع الخامس)‪،‬‬             ‫قهر للضرورة ونيل الحرية وخطوة تقدمية‪.‬‬
   ‫هو خطوة تقدمية أخرى بالمعنى الذي سبق وأن‬            ‫ويمكننا القول إن غياب فاطمة ومعها ابنها يحيى‬

                                        ‫قدمناه‪.‬‬
‫وهو ما يعني جماليًّا إبراز ثنائية الحرية والتقدم في‬

  ‫رواية الكومبارس‪ ،‬ويبقي تساؤل أخير يحتاج إلى‬
‫مزيد من النقاش‪ :‬هل نجاح الدكتور جميل الشناوي‬

     ‫في الرواية كان مرهو ًنا بالصورة الذهنية التي‬
 ‫رسمها للمثقف الماركسي‪ ،‬والتي جذبت إليه إيمان‬

    ‫فوصفت كلامه بأنه يقطر حكمة‪ ،‬وجذبت فاتن‬
 ‫فوصفته بأنه قادم من سماوات الحكمة ص ‪288‬؟‬

   ‫من المؤكد أن نموذج جميل الشناوي هو صورة‬
   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42