Page 7 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 7

‫افتتاحية ‪5‬‬

    ‫ليقوما بجمع القرآن من الرقاع ومن‬          ‫بكر‪ ،‬من اختيار الرجل القوي الذي‬
 ‫صدور الحفاظ‪ ،‬على أن ُيشهدا ك ُّل حاف ٍظ‬      ‫يمسك مقبض سيفه باستمرار‪ ،‬إلى‬
                                              ‫اختيار الشيخ المسن الوديع‪ ،‬ولنقل‬
                  ‫شاهدين على ما يتلو‪.‬‬      ‫«الضعيف»‪ .‬حسابات عمر تب َّدلت لأ َّنه‬
    ‫(الغريب في الأمر أن عثمان بن عفان‬     ‫–ربما‪ -‬فهم أن قوته ستقابلها قوة هذا‬
   ‫حين اضطر إلى جمع القرآن بعد نحو‬        ‫الصحابي وذاك من الأنصار‪ ،‬لكن تقدم‬
    ‫خمسة عشر عا ًما‪ ،‬لم يعت َّد بالنسخة‬    ‫سن أبي بكر‪ ،‬وضعفه‪ ،‬وقربه الشديد‬
     ‫التي ُجمعت في عهد أبي بكر‪ ،‬والتي‬     ‫من النبي‪ ،‬وتضحياته بالمال وبغيره من‬
   ‫كانت محفوظة عنده‪ ،‬ثم عند عمر‪ ،‬ثم‬          ‫أجل الرسالة‪ ،‬لن تجد لها مثي ًل عند‬
  ‫عند حفصة أم المؤمنين‪ ،‬بل ش َّكل لجنة‬    ‫الأنصار‪ ،‬ولهذا ستر ُجح كفته‪ ،‬وهو ما‬
    ‫جديدة لجمعه‪ ،‬اهتدت بالجمع الأول‬       ‫حدث بالفعل حيث تم الرجوع (جزئيًّا)‬
   ‫كمادة مبدئية فقط‪ ،‬لكنها لم تتقيد به‪،‬‬    ‫عن مبايعة سعد‪ ،‬والميل (جزئيًّا أي ًضا)‬
  ‫وتم الوصول إلى مصحف جديد تما ًما‪،‬‬       ‫إلى مبايعة أبي بكر‪ ،‬ثم أجلسه عمر على‬
 ‫وأُحرق ما دونه كما تقول الروايات‪ ،‬إلا‬       ‫المنبر في اليوم التالي وأخذ له البيعة‪،‬‬
    ‫أن عبد الله بن مسعود رفض إحراق‬           ‫وقيل أخذها بالقوة حين لزم الأمر!‬
                                             ‫معروف أن أبا بكر صديق وص ِّديق‬
      ‫مصحفه‪ ..‬لكن تلك حكاية أخرى)‪.‬‬          ‫وصدوق ومض ٍّح بماله ونفسه وآله‪،‬‬
‫لم يستمر أبو بكر في الحكم غير ما يزيد‬     ‫لكنه ليس الرجل القوي صاحب الكلمة‬
‫قلي ًل عن عامين‪ ،‬وأوصى في حياته لعمر‬       ‫الذي يحكم المسلمين‪ ،‬ويتخذ القرارات‬
 ‫بن الخطاب‪ ،‬وكان هذا طبيعيًّا ومنطقيًّا‪،‬‬   ‫القاطعة‪ ،‬هو رجل طيب ومسالم يؤ ِثر‬
                                             ‫السلامة ولا يدخل معارك كبرى أو‬
     ‫ليس –فحسب‪ -‬لأن عمر من أفضل‬                ‫صغرى‪ ،‬والمثال الواضح على ذلك‬
    ‫صحابة رسول الله وأقواهم شكيمة‬            ‫هو قصة جمع القرآن كما وردت في‬
‫وأكثرهم قدرة على القيادة واتخاذ القرار‪،‬‬    ‫المراجع والسرديات الإسلامية نفسها‪،‬‬
‫ولكن لأن الخلافة من الأصل كانت لعمر‬          ‫فيقال إن عمر بن الخطاب سأل عن‬
    ‫لو وصلوا إلى السقيفة قبل موعدهم‬        ‫آي ٍة ما‪ ،‬فقيل له إنها كانت عند (فلان)‬
     ‫بقليل‪ ،‬قبل أن يستقر رأي الأنصار‬          ‫ومات في حرب اليمامة‪ ،‬التي أُطلق‬
  ‫على مبايعة سعد بن عبادة‪ ،‬فلو وصلوا‬       ‫عليها «حرب المرتدين»‪ ،‬فخاف عمر أن‬
   ‫مبكرين قلي ًل كان سيطلب عمر البيعة‬      ‫يتشتت القرآن ويضيع بموت ال ُح َّفاظ‪،‬‬
     ‫لنفسه‪ ،‬وكان أبو بكر سيؤيده‪ ،‬لكن‬          ‫فذهب إلى أبي بكر ينصحه بجمعه‪،‬‬
 ‫الأمور سارت في طريق آخر‪ ،‬لذلك كان‬
    ‫طبيعيًّا أن تعتدل الكفة بعد موت أبي‬        ‫فرفض الأخير لأن رسول الله لم‬
‫بكر‪ ،‬ويعتلي عمر مقعد الخلافة الذي كان‬      ‫يجمعه‪ ،‬ولم يأمر بجمعه‪ ،‬وهو يخاف‬
‫يرى أنه الأحق به‪ .‬الوصية ‪-‬إذن‪ -‬كانت‬
   ‫من قبيل تحصيل الحاصل‪ ،‬لدرجة أن‬              ‫أن يقدم على شيء لم يفعله النبي!‬
 ‫السؤال ليس‪ :‬هل أوصى أبو بكر لعمر؟‬        ‫وبعد جهد أقنعه عمر أنها ُسنَّ ٌة َح َس َن ٌة‪،‬‬
‫بل‪ :‬هل كان مستطا ًعا ألا يوصي أبو بكر‬     ‫فاقتنع وأوكل الأمر إلى عمر –ومعه زيد‬

                                ‫لعمر؟‬        ‫بن ثابت‪ ،‬الأنصاري كاتب الوحي‪-‬‬
‫حسنًا‪ ..‬لماذا حدثت ما نطلق عليها «حرب‬
   2   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12