Page 11 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 11
إبداع ومبدعون 9
رؤى نقدية
على إنجاز أفعال يومية عادية ،كما
تتجسد مث ًل في إرشادات استعمال
تقنية أو خدمة ما .على خلاف ذلك،
وبالضد من رأي ريكور الذي ُيدرك
البلاغة بوصفها عل ًما ميتًا ،يص ّرح
تيري إيجلتون ،في سياق آخر،
في ختام عرضه لنظريات الأدب
حتى أواخر القرن العشرين ،بأنه
يجد في علم البلاغة البديل الأنسب
للنقد الأدبي ،مستن ًدا إلى تصور
لعلم البلاغة يقرنه بدراسة أنواع
الآثار التي ينتجها الخطاب ،وكيفية
إنتاجه لها؛ إذ يرى أن علم البلاغة
آي .إيه .ريتشاردز تيري إيجلتون بول ريكور ُعني بدراسة كيفية بناء الخطابات
بوصفها ممارس ًة وعل ًما ملازمة للبشر حيا ًة وفنا ًء. على نحو مخصوص ،لإنتاج أثر
إذا تأملنا حجج نعاة البلاغة في الدعوة إلى موتها ،نجدها محدد( .)5مهما يكن من أمر ،فإن التناقض بين من ينعون
في البلاغة علمها ،ومن ينعون في البلاغة مادتها ،غير ذي
تنحصر فيما يأتي:
-1السمعة السيئة للبلاغة بوصفها تلاعبًا وخدا ًعا ،ولعلمها أثر كبير؛ فكلاهما يقدمان دعوى سهلة التفنيد.
بوصفه معرف ًة ُتنجز التلاعب والخداع. في تفنيد أسطورة موت البلاغة
-2تحولات العالم المعاصر التي تؤذن بتراجع أثر القول
لم تمت البلاغة ،ويبدو أنها لن تموت .يستند نفي موت
الجميل في الحياة ،ومن ث َّم تراجع دور العلم الذي يدرس البلاغة في الماضي وإمكانية موتها في المستقبل إلى تمتعها
القول الجميل؛ أي البلاغة.
بخصيصتين تلازمانها؛ الأولى قدرتها السحرية على
-3فقدان علم البلاغة لموضوعه أو وظيفته بفضل نشوء
التكيف؛ فالبلاغة تتسع ،وتضيق ،تغيّر وجوهها ،و ُتنوع
علوم أخرى مثل الأسلوبية والسيميوطيقا والنقد الثقافي منهجياتها ،وتطور مقارباتها طوال الوقت لتستجيب
وتحليل الخطاب ،وغيرها؛ ترثه حينًا ،وتهمش دوره أحيا ًنا.
هذه الحجج ُيفنّدها واقع الحال ،وضعف المقال .فالبلاغة لم لتحديات زمنها .أما الخصيصة الثانية فهي اقتران البلاغة
تمت ،هذا واقع الحال ،بل إنها تزدهر ازدها ًرا غير مسبوق بما لا وجود للبشر دونه؛ أي العلامات اللغوية وغير
في العصر الحديث غربيًّا وعربيًّا .ولعل إطلال ًة سريع ًة على
التوسع في دراسة البلاغة في أقسام التواصل الأمريكية(،)6 اللغوية التي ُتنجز الإقناع والتأثير والجمال .فمنذ ط ّور
الإنسان سب ًل للتواصل مع بني جنسه ،أنتج كلا ًما بلي ًغا،
وتعدد المجلات العلمية التي تختص بنشر بحوثها،
والمؤتمرات الدولية التي ُتخصص لهاُ ،يبرهن ،بما لا يدع ثم كتب نصو ًصا بليغة .وحين تأمل ممارسته القولية،
وو َضع قواعد وإرشادات بشأن تعليمها للآخرين ،اخترع
مجا ًل للشك على أن البلاغة ،قو ًل وعل ًما ،تزدهر( .)7أما علم البلاغة .والأمران م ًعا ملازمان لوجود الإنسان؛ إذ لا
عربيًّا فإن إنشاء فرق بحثية تحمل اسم البلاغة ،وصدور
يمكن تصور حياة بلا إقناع ،ولا تأثير ،ولا جمال قول،
دوريات علمية حولها ،وتزايد أعداد الباحثين المنشغلين بها، كما لا يمكن تصور وجود هذه الممارسات بشكل فردي
مشاهد لا ُتخطئها العين(.)8 دون درسها ،وتعلمها ،وتعليمها .خلاصة القول ،البلاغة