Page 158 - Nn
P. 158

‫العـدد ‪35‬‬                             ‫‪156‬‬

                                    ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

     ‫المفردات المنطقية من طابعها‬     ‫صحيح الحد والقياس عن غيره‪،‬‬            ‫لم تزل عن الغزالي شكه؛ بل زاده‬
  ‫الأرسطي‪ ،‬ولذا فالنسق المعرفي‬          ‫فيتميز العلم اليقيني عما ليس‬                 ‫الاعتقاد بالمنطق حيرة‪.‬‬
  ‫عند الغزالي لا يخلو من امتزاج‬        ‫يقينيًّا‪ ،‬وكأنه الميزان أو المعيار‬
‫القواعد المنطقية بالأدوات اللغوية‪،‬‬                     ‫للعلوم كلها»‪.‬‬        ‫الأرجح أن الغزالي لم ينحرف في‬
 ‫والعمل على أسلمة المنهج المنطقي‬          ‫فهذا التعريف في عمقه ركز‬          ‫إدخاله المنطق في علوم المسلمين؛‬
                                       ‫على كلمة القانون‪ ،‬وتعني الآلة‬
            ‫إن صح هذا التعبير‪.‬‬         ‫الصناعية النظرية‪ ،‬كما نظر إلى‬              ‫مادام يق ّوم العقل‪ ،‬ويسدد‬
   ‫يتجلى ذلك من خلال ما سعى‬             ‫المنطق بصفته المعيارية؛ حيث‬          ‫الإنسان نحو الطريق الصحيح‪،‬‬
    ‫إلى بيانه في كتابه «القسطاس‬          ‫يضع المنطق معاني الصواب‬              ‫وقد استند في ذلك على القاعدة‬
   ‫المستقيم»‪ ،‬حيث تخلى بصورة‬             ‫والخطأ‪ ،‬فيميز صحيح الحد‬
                                       ‫والقياس عن فاسدهما‪ .‬ويمكن‬                ‫الشرعية التي تؤكد أن الحق‬
        ‫كلية تقريبًا عن استخدام‬          ‫القول هنا إن هذا التعريف لا‬            ‫والحكمة يؤخذان أين وجدا‪،‬‬
    ‫المصطلحات المنطقية المتعارف‬          ‫يختلف كثي ًرا عن تعريف ابن‬         ‫فليس في الإسلام كما هو واضح‬
     ‫عليها منذ القدم‪ ،‬ولم يقتصر‬        ‫سينا الذي يذهب إلى أن المنطق‬        ‫معاداة للواقع أو محاولة للبدء من‬
                                                                           ‫نقطة الصفر كما يقال‪ ،‬لأن المنهج‬
      ‫الأمر على مجرد أسماء هذا‬      ‫يبحث في صورة الفكر‪ ،‬ولا خلاف‬           ‫الإسلامي الحضاري منهج واقعي‬
   ‫العلم (المنطق) بل امتد ليشمل‬     ‫أن ما أشرنا إليه في جملته ينطبق‬           ‫يعتمد على ما أنجزه الآخرون‪،‬‬
                                     ‫على ما وضعه أرسطو‪ ،‬كما يرى‬             ‫ولا يجد الإسلام غضاضة أص ًل‬
       ‫المصطلحات المستخدمة في‬                                               ‫في الاستفادة من جهود الآخرين‪،‬‬
    ‫القياس من مقدمات وحدود؛‬           ‫علي سامي النشار (ت‪1980‬م)‪.‬‬                ‫وما يتفق مع أساليبه وأدواته‬
                                        ‫عملية تقعيد مشروع الغزالي‬            ‫وتطلعاته وأصالته الفريدة التي‬
        ‫حيث اصطلح على مبحث‬             ‫لتجديد منهج علم أصول الفقه‬           ‫تتبنى ما هو خير‪ ،‬وتقلع عن كل‬
   ‫القياس بالميزان الذي يحمل في‬        ‫قامت على أسس منطقية‪ ،‬دون‬
                                       ‫إغفال للمنظومة اللغوية‪ ،‬وعليه‬                     ‫ما فيه دمار وشر‪.‬‬
     ‫أبعاده معنى «القياس» مثلما‬          ‫اشترط على المجتهد ضرورة‬             ‫من هذا المنطلق فقد كان غرض‬
  ‫أيضا «معيار» و»مكيال»‪ ،‬وهذه‬           ‫تحصيل اللغة والنحو في طلبه‬           ‫الغزالي من العمل بأسس المنطق‬
                                       ‫لعلم الأصول‪ ،‬بغية التحرر من‬
     ‫المصطلحات الجديدة كما هو‬                                                    ‫تقوية الاستدلال الإسلامي‬
 ‫ملاحظ مصدرها القرآن الكريم‪.‬‬        ‫المنطق الصوري‪ ،‬سعيًا إلى تجريد‬            ‫وضبطه‪ ،‬وإحداث طفرة جديدة‬
‫ولا خلاف أن الميزان هنا روحاني‬                                               ‫في عملية التعارض الثقافية بين‬
                                                                            ‫الأصالة والفكر الغربي اليوناني‪.‬‬
   ‫يختلف عن الميزان الجسماني‪،‬‬                                                ‫وهذا يؤكد تحلي الغزالي بالروح‬
    ‫ميزان البر والشعير والذهب‬
                                                                                            ‫العلمية‪ .‬وكيفما‬
                      ‫والفضة‪.‬‬                                                           ‫كان الأمر فاعتماده‬
                                                                                         ‫على أسس العقيدة‬

                                                                                           ‫الإسلامية جعله‬
                                                                                        ‫يتخذ موق ًفا راف ًضا‬
                                                                                        ‫للمنطق من الناحية‬
                                                                                          ‫الاصطلاحية رغم‬

                                                                                          ‫تبنيه للمنطق من‬
                                                                                        ‫الناحية العملية ‪-‬أي‬
                                                                                        ‫الممارسة‪ ،-‬فالغزالي‬

                                                                                          ‫يحدد المنطق بأنه‬
                                                                                        ‫«القانون الذي يميز‬
   153   154   155   156   157   158   159   160   161   162   163