Page 156 - Nn
P. 156

‫العـدد ‪35‬‬                            ‫‪154‬‬

                                   ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

                                       ‫د‪.‬عزيز بعزي*‬

                                                ‫(المغرب)‬

‫الغزالي واستلهام‬
‫المنطق الأرسطي‬

    ‫إلى من وجد عنده شيء منها‪،‬‬      ‫والمتكلمين والمناطقة في استعمالها‬     ‫لم يكن أبو حامد الغزالي (‪-450‬‬
  ‫واشتد الأمر في ذلك»‪ .‬وعلى أية‬      ‫في ظل توترات فكرية‪ ،‬تمخضت‬
‫حال فلا يمكن اعتبار المنطق كيفما‬        ‫عنها هزات سجلت في إحدى‬            ‫‪505‬هـ‪1111 -1058 /‬م) مار ًقا‬
  ‫كانت المواقف تجاهه ميزا ًنا غير‬       ‫تجلياتها أن المنطق في الغالب‬        ‫دينيًّا لمَّا أصر على إدخال أبرز‬
   ‫صادق‪ ،‬أو مجرد وهم‪ ،‬بل هو‬            ‫الأعم لم يلق ترحا ًبا كليًّا منذ‬      ‫معالم الفكر اليوناني المحضة‬
‫على حد تعبير الغزالي معيار العلم‪،‬‬         ‫دخوله للمجال الإسلامي‪.‬‬           ‫إلى العلوم الإسلامية؛ فهو أول‬
                                    ‫ربما بحكم برانيته على مسارات‬             ‫من أدخل المنطق اليوناني إلى‬
              ‫وميزان الإدراكات‪.‬‬      ‫العقل الإسلامي آنذاك‪ ،‬لذا نجد‬           ‫الأصول الإسلامية على وجه‬
     ‫فالمصطلح المنطقي برز عند‬                                                   ‫التحديد‪ ،‬وبشكل جلي بعد‬
      ‫اليونان خاصة عند أرسطو‬       ‫أن الغزالي نفسه لم يعرض أبحاثه‬
 ‫(‪322‬ق‪.‬م)‪ ،‬ثم انتقل إلى الفضاء‬      ‫المنطقية تحت اسم المنطق‪ ،‬ولكنه‬       ‫استيعابه للمنطلقات التي رسخها‬
                                                                           ‫أستاذه إمام الحرمين الجويني‬
       ‫التداولي العربي الإسلامي‬       ‫تحت أسماء أخرى كـ»المعيار»‬              ‫(ت‪478‬هـ) في هذا السياق‪.‬‬
      ‫بواسطة حركة الترجمة في‬       ‫و»المحك» و»الميزان» حتى يتفادى‬
  ‫العهدين الأموي والعباسي‪ .‬ولا‬                                            ‫فأعمال الغزالي كما سيأتي بيانه‬
  ‫غرو أن من أسباب ترجمة كتب‬            ‫غضب الفقهاء ومحاربتهم له‪،‬‬             ‫ركزت على منطلقات منطقية‪،‬‬
‫المنطق ومصطلحاته عمو ًما افتقار‬         ‫وهذا ما عبر عنه عبد الواحد‬            ‫ولهذا الأمر مبرراته‪ ،‬ويأتي‬
‫اللغة العربية للغة منطقية‪ ،‬كما أن‬      ‫المراكشي (ت‪647‬هـ) بقوله‪:‬‬
  ‫صعوبة الترجمة‪ ،‬ورداءة بعض‬              ‫«ولما دخلت كتب أبي حامد‬         ‫الجانب المنهجي على رأسها؛ حيث‬
   ‫الترجمات‪ ،‬اقتضت عمليًّا إعادة‬       ‫الغزالي رحمه الله المغرب أمر‬       ‫سعى الغزالي من خلال تحركاته‬
  ‫النظر في بعض المصطلحات من‬         ‫أمير المسلمين –علي بن يوسف‪-‬‬            ‫الفكرية إلى اختراع مصطلحات‬
 ‫جديد‪ ،‬ولم يقتصر عمل المسلمين‬       ‫بإحراقها‪ ،‬وتقدم بالوعيد الشديد‬
                                    ‫من سفك الدماء واستئصال المال‬            ‫منطقية المعنى أو ًل‪ ،‬وإسلامية‬
                                                                            ‫المبنى ثانيًا؛ فانفرد بذلك حيث‬

                                                                               ‫لم يشاركه أحد من الفقهاء‬
   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161