Page 235 - m
P. 235

‫‪233‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

                 ‫عبد الحكيم قاسم‬          ‫يوسف أبو رية‬             ‫تاريخ العربان في مصر‪ ،‬لكن ذلك‬
                                                                      ‫لا يعني أنني ولدت وعشت في‬
    ‫الحياة (حياتي) في القاهرة أو‬   ‫بأبواب ضخمة‪ ،‬أسرار لم يكتب‬         ‫الصحراء‪ ،‬بل عشت في مجتمع‬
     ‫مصر قد انتهت‪ ،‬وأن عليَّ أن‬   ‫عنها أحد‪ ،‬لقد كان هذا هو العالم‬
  ‫ابدأ صفحة جديدة في مكان ما‪،‬‬                                       ‫قبلي لم يكتب عنه بشكل حقيقي‪.‬‬
 ‫جاء ذلك لأسباب تتصل بحياتي‬          ‫الوحيد الذي أملك‪ ،‬وأنا ممتنة‬    ‫كنت في تلك المرحلة أحاول فهم‬
   ‫الخاصة‪ ،‬طلاقي‪ ،‬وفاة والدتي‪،‬‬      ‫لتلك الطفولة التي كانت ‪-‬رغم‬
      ‫خسارة عدد من الأصدقاء‪..‬‬        ‫قسوتها‪ -‬مصد ًرا من مصادر‬           ‫هذا التكوين القبلي‪ ،‬وبالطبع‬
                                                                   ‫وضع المرأة فيه‪ ،‬انشغلت بعد ذلك‬
        ‫ولأسباب أكاديمية تتصل‬             ‫تكويني الثقافي والأدبي‪.‬‬   ‫بصورة هؤلاء العرب‪ ،‬وعلاقتهم‬
   ‫بوضعي الوظيفي‪ ،‬كنت أد ِّرس‬
 ‫الأدب العربي في كلية دار العلوم‬     ‫في عام ‪ 7002‬قرر ِت‬                 ‫بالمجمتع المصري وتاريخهم‬
 ‫بجامعة الفيوم‪ ،‬وهي أحد معاقل‬     ‫الهجرة إلى أمريكا وكنت في‬          ‫الطويل من النزاع العرقي‪ ،‬كنت‬
   ‫التيار الإسلامي المتشدد‪ ،‬صار‬    ‫نهاية الثلاثينات‪ ..‬ما الذي‬
 ‫الدخول للمدرج وإلقاء محاضرة‬                                              ‫دائ ًما ما أُواجه بالخلط بين‬
 ‫لآلاف من الطلاب الذين يتعففون‬      ‫دفعك لاتخاذ هذا القرار؟‬          ‫الحياة القبلية والبداوة‪ ،‬صحيح‬
                                  ‫هل تتشابه أزمة “هند” في‬           ‫أن عربان مصر ينتمون لأصول‬
      ‫من النظر لي لأسباب تتصل‬     ‫روايتك “بروكلين هايتس”‬              ‫قبلية‪ ،‬لكنهم ليسوا بد ًوا‪ ،‬كانوا‬
  ‫بملابسي بوصفي غير محجبة‪،‬‬         ‫مع أزمتك الشخصية فيما‬
‫وسط مئات من الفتيات المنتقبات‪،‬‬                                           ‫ينتمون أي ًضا ‪-‬في وقت من‬
    ‫وكان النقاب قد انتشر في تلك‬      ‫يتعلق بقرار الهجرة من‬         ‫الأوقات‪ -‬للأرستقراطية المصرية‪،‬‬
                                    ‫الوطن؟ هل كن ِت تبحثين‬
     ‫الجامعة بشكل كبير‪ ،‬وجرى‬                                         ‫والأسر الممتدة التي عاشت علي‬
‫بشكل عرفي تحريم الاختلاط‪ ،‬كان‬              ‫عن بداية جديدة؟‬             ‫مشارف الريف‪ ،‬أو في صعيد‬

   ‫التدريس تجربة يومية صعبة‪.‬‬          ‫لا أعرف! شعرت أن صفحة‬         ‫مصر‪ ،‬وهذا الموضوع كان أي ًضا‬
      ‫كنت أشعر انني محاصرة‪،‬‬                                        ‫شاغ ًل من شواغلي‪ ،‬اشتغلت عليه‬

                                                                      ‫بعد ذلك في عدد من الدراسات‬
                                                                        ‫الأكاديمية التي نشرتها منذ‬

                                                                    ‫سنوات‪ ،‬تناولت تلك العلاقة بين‬
                                                                       ‫البدو والحضر مث ًل في كتاب َّي‬
                                                                       ‫«بنت شيخ العربان» و»بعيدة‬
                                                                                ‫برقة على المرسال»‪.‬‬
                                                                      ‫أنا ابنة تلك الثقافة بالطبع‪ ،‬ولا‬
                                                                         ‫أنكر على الإطلاق أنها كانت‬
                                                                         ‫مصدر من مصادر التخييل‬

                                                                     ‫والإلهام في كتاباتي الأولى‪ ،‬فكل‬
                                                                       ‫تجاربي الأولى ‪-‬بد ًءا بالخباء‬
                                                                      ‫وانتهاء بنقرات الظباء‪ -‬تنتمي‬
                                                                        ‫لهذه الذاكرة التي لم يكن لي‬

                                                                    ‫غيرها مصد ًرا للإلهام‪ ،‬حتى بعد‬
                                                                   ‫انتقالي للقاهرة كنت أشعر بالغربة‬

                                                                       ‫العميقة‪ ،‬لم استطع الكتابة عن‬
                                                                       ‫القاهرة رغم أنني عشت فيها‬
                                                                     ‫طوي ًل‪ ،‬كانت كل مخيلتي هناك‪،‬‬
                                                                      ‫في نجوع رملية صغيرة‪ ،‬بيوت‬
   230   231   232   233   234   235   236   237   238   239   240