Page 236 - m
P. 236

‫بعد انقطاعي عن الحياة الثقافية‬
                                ‫بالهجرة تم تجاوز تجربتي‪ ،‬ظهرت‬

                                   ‫أسماء جديدة وكتابات جديدة‬
                                   ‫وأجيال جديدة‪ ،‬بل أصبح جيل‬
                                 ‫التسعينيات بمجمله على هامش‬
                                 ‫الكتابة والشهرة والانتشار‪ ،‬لكن‬
                                ‫هذا لم يفزعني‪ ،‬كنت وما زلت أقامر‬
                                ‫على الكتابة‪ ،‬وأعتقد أنها الوسيلة‬
                                ‫والغاية التي تكفل للكاتب الوجود‪،‬‬
                                   ‫في النهاية تنتهي الحياة ولا‬
                               ‫يبقي من الكاتب غير جوهر تجربته‬
                               ‫الحقيقة التي تكفل له بعض الخلود‪.‬‬

‫بالعودة مسألة غير مطروح‪ ،‬وهذا‬     ‫باتجاهه‪ ،‬بعد كل تلك السنوات‬        ‫وتجري محاكمتي أخلاقيًّا بشكل‬
              ‫ما يحدث للجميع‪.‬‬  ‫أنظر فع ًل لهذا القرارباعتباره كان‬        ‫يثير القلق‪ ،‬أضف إلى ذلك ما‬
                               ‫خيا ًرا وحي ًدا‪ ،‬لم يكن أمامي غيره‪.‬‬        ‫أصاب الجامعة المصرية من‬
       ‫روايتاك الأخيرتان‪:‬‬
  ‫«بروكلين هايتس» و»أيام‬             ‫لقد قررت السفر إلى أمريكا‬      ‫صراعات وفساد وتدهور على كل‬
  ‫الشمس المشرقة» تدوران‬          ‫كباحثة بعد الحصول علي منحة‬          ‫المستويات‪ ،‬كل ذلك كان يخيفني‬
  ‫في أجواء عوالم المهاجرين‬
  ‫العرب‪ ،‬المصريين بالذات‪،‬‬           ‫دراسية في جامعة نيويورك‪،‬‬            ‫ويجعل محاولاتي التأقلم مع‬
 ‫وفي بروكلين هايتس تقول‬           ‫وبعد انتهاء مدة الابتعاث بدأت‬       ‫الواقع اليومي صعبة‪ ،‬الأوضاع‬
                                   ‫في البحث عن وظيفة جامعية‪،‬‬         ‫السياسية أي ًضا لم تكن مستقرة‬
    ‫هند إنها وجدت مكانها‬
  ‫المناسب المثالي بينهم‪ ..‬هل‬        ‫ثم تنقلت في تلك الرحلة التي‬         ‫آنذاك‪ ،‬لا أعرف بالضبط متى‬
                                ‫امتدت لتصبح خمسة عشر عا ًما‬         ‫قررت الهروب‪ ،‬لكنني ككاتبة كنت‬
    ‫تبحثين عمن يشبهك في‬                                              ‫أشعر ‪-‬أي ًضا‪ -‬أن عليَّ أن أتطور‪،‬‬
 ‫أمريكا؟ وهذا سيقودنا إلى‬          ‫بين جامعات صغيرة وكبيرة‪،‬‬
‫فكرة الاندماج في مجتمعات‬         ‫تنقلت فيها بين ولايات متعددة‬             ‫وأن أتعلم‪ ،‬وأن أبدأ صفحة‬
                                 ‫من الشرق للغرب ومن الشمال‬               ‫جديدة في حياتي‪ ،‬لم يتحقق‬
     ‫المهجر‪ ،‬هل تعانين من‬       ‫للجنوب‪ ،‬حتى تحققت كل أهدافي‬             ‫ذلك بشكل كامل لأنني ‪-‬رغم‬
                                 ‫العلمية والأكاديمية‪ ،‬ثم تحولت‬         ‫سنوات الغربة‪ -‬ما زلت أشعر‬
                               ‫الرحلة لواقع جديد‪ ،‬صرت أنتمي‬              ‫أن الإنسان لا يمكن أن يترك‬
                                  ‫بشكل كبير لهذا العالم الجديد‬      ‫ماضية هكذا بقرار ما‪ ،‬إن الماضي‬
                                                                        ‫مثل المغناطيس سيظل يجذبك‬
                                    ‫الذي خلقته‪ ،‬وأصبح التفكير‬
   231   232   233   234   235   236   237   238   239   240   241