Page 7 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 7
افتتاحية 5
هؤلاء الذين يقفون س ًّدا أمام أي تأويل التفجيرات التي تقوم بها جماعات مثل
جديد ،أو إعادة الاعتبار لتأويلات تم القاعدة والنصرة وحماس وبوكو حرام..
تهميشها ،ويسوقون أصحاب تلك التأويلات وغيرها ،أو الحرق والتمثيل بالجثث
إلى النيابات والسجون! والقتل الجماعي على نحو ما تفعل داعش
في أكثر من مكان في وطننا ،وفي البلدان
المفكر السوري الدكتور محمد أركون واح ٌد الإسلامية ،وغيرها :تفجير محطات المترو
من أولئك الذين حاولوا تجديد الخطاب
ومحاصرة دور الصحف واستهداف
الديني الشائع( ،الشائع لأنه خطاب ضمن قيادات ومقار أمنية ،والهجوم على
خطابات كثيرة) ،استنا ًدا إلى فهم جديد
للغة العربية ومرادفاتها ،وهو ما قاده نقاط حراسة ،وذبح المختلفين دينيًّا بلا
إلى استنتاجات مخالفة في تفسير بعض ذنب اقترفوه ،والاعتداء على المنشآت
الآيات ،في محاولة لنفي العنف والتشدد والمؤسسات الحكومية ..إلخ.
عن نصوص القرآن الكريم ،وقد أصدر ليس خافيًا أن الشعارات التي يرفعها
مجموعة من الكتب تضمنت محاولاته تلك، أنصار التجمد المتشددون في كل جريمة
ولم يسلم من تهجم واستهانة وسباب يقترفونها ُمخ َتل ٌف عليها بين فقهاء
المشتغلين بالدين ،وتحقير اجتهاداته ،مثلما الإسلام أنفسهم ،فقتل المرتد مث ًل محل
فعلوا مع طه حسين ونصر حامد أبو زيد خلاف ،وقتل المختلف دينيًّا كذلك ،وما
وغيرهما ،ومثلما سيفعلون مع كل محاولة يقولون إنه جهر بالمعاصي ،لكنهم يطبقون
–بالقوة -ما يريدونه في كل ملف ،حسب
مستقبلية ،فلا هم يحاولون تخليص موقعهم من ذلك الملف ،بانتقاء فتاوى
الخطاب الديني من تناقضاته وأساطيره دون غيرها ،ويفضلون أنفسهم على من
غير المعقولة ،والتي تسيء إلى شخصية عداهم استعلاء دون سبب منطقي ،ودون
النبي وأفعال صحابته ،ولا يتركون الآخرين
يقومون بهذه المهمة من داخل مظلة الإيمان. سند من النصوص.
وإذا أردت التدقيق يجب القول إن «الجمود» في المقابل ستجد أن المجددين خائفون:
ليس دينيًّا فقط في منطقتنا ،ولكنه سمة في على حيواتهم وأسرهم ومعاشهم وأمنهم
كل نواحي حياتنا ،في السياسة والاقتصاد
الشخصي والعام ،لذلك لا يقولون
والاجتماع والثقافة ..إلخ( ،وإن أردت قناعاتهم كلها لأن الآذان صماء ،والأيادي
يمكن القول إن الجمود الديني انعكس قريبة من البنادق ،ولأن المتشددين عينوا
على بقية الملفات!) ،فالتطور الديمقراطي أنفسهم مدافعين عن اللهِ ،ولهذا فإن معظم
مث ًل ،والسير باتجاه دولة مدنية تقوم دعاوى التجديد التي نتابعها تنطلق أسا ًسا
على المواطنة ،والاهتمام بالحريات العامة
والخاصة ،يسير في الاتجاه المعاكس ،ناحية من داخل الإيمان وليس من خارجه،
الخلف ،فنحن نفقد أي أرض نكسبها في وتدور في فلك إعلاء تفسير عن آخر،
تلك الملفات ببساطة ،ونتجه ناحية المزيد من وجذب الانتباه إلى أحاديث لا يتم الالتفات
الديكتاتورية وتقييد الحريات ،بل إن بعض إليها بالشكل المراد ،أو إعادة ترتيب
المحسوبين على فئة المثقفين يجدون تبريرات حوادث التاريخ الإسلامي بشكل ينفي
لتلك الأفعال التراجعية ،مثل المحافظة على عنه بعض ما ظهر من عوار ولا معقولية،
الدولة ومنعها من الانهيار ..وكأن الدول وقلَّما تجد من ينكر التراث كلية ويبدأ من
نقطة خارجه ،ومع ذلك لا يسلم هؤلاء
الديمقراطية انهارت! «المصلحون» من سهام المتشددين ،الذين
لهذا لا يكون غريبًا أن تجد الغالبية العظمى يصفون أنفسهم –غالبًا -بالوسطيين،