Page 10 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 10
العـدد 21 8
سبتمبر ٢٠٢٠
د.أيمن بكر
مستقبل الثقافة ومشكلات القراءة
يبدو ما وضعه حسين في مقدمته هو الإجابة التي اقترحها على الشباب
الذين سألوه في بداية رحلته مع الكتاب .بعد ذلك يمتلئ كتاب «مستقبل
الثقافة في مصر» بأفكار جزئية مر عليها الكتاب مرور الكرام ،بوصف
بعضها بداهات لا حاجة للتركيز المبا ِلغ عليها ،وبوصف بعضها الآخر
بذو ًرا لموضوعا ٍت بحثية يمكنه العودة إليها ،وهو ما قام به طه حسين في
أبحاثه المج ِّددة حينها في النظر للتراث.
ومن المهام المنوطة بالمثقف أو المفكر أن يحاول تحطيم قوالب الأنماط الثابتة
والتعميمات «الاختزالية» التي تفرض قيودا شديدة على الفكر الإنساني وعلى التواصل
بين البشر)1(.
(إدوارد سعيد)
وإعادة فهمها مرة بعد مرة عبر مناظير تحليل متنوعة، مشكلات القراءة :الإجمال والاستخدام السياسي
بما يسمح بفهم أبعاد تلك المشاريع ،ثم بتنويع البنى
أحسبنا بحاجة ماسة لإعادة النظر في مشروع
الفكرية على تلك الأصول ،سواء بالاتفاق معها أو
بالاختلاف والنقض أو بالأخذ من كل جانب بطرف. طه حسين حول مستقبل الثقافة في مصر ،ثم إعادة
ربما يكون لاستيراد النظرية دخل في الفشل المتكرر طرح المشروع نفسه مرة أخرى اعتما ًدا على قراءة
لمحاولات القراءة حتى إن توفر الإخلاص .فالأدوات
واضحة قدر الممكن للواقع الثقافي المصري ،في
المستوردة تحتاج لعمليات تأويل وتعديل مرهقة ضوء متغيرات داخلية وإقليمية وعالمية تشبه عاصفة
وضرورية كي يتم استنباتها في تربة ثقافة مغايرة،
وهي العمليات التي لا يصبر على إتمامها الناقلون إن استوائية أصابها الجنون .وهذا المقال دعوة لإعادة
جه ًل أو بخ ًل .لا أقول هنا بضرورة ابتداع أدواتنا، النظر في مشروع حسين وغيره من المشروعات
فهو وإن كان الأفضل والأنسب ،يبدو مطلبًا بعي ًدا مع الفكرية الكبيرة طب ًقا لآليات نقد علمية تهدف
حالة التردي الفكري التي تسم الثقافات العربية ،كما لاستكشاف ما يمكن البناء عليه وما يجب ا ّطراحه.
أنه مطلب يشوبه ظل شوفينية قاتم ،كما لو أن منجز
وكي نتمكن من النظر إلى مشروع حسين -أو إلى أي
البشرية الفلسفي لا يقبل التحول الواعي من ثقافة مشروع فكري آخر -يحسن بنا تجنب بعض مشكلات
لأخرى .ما أدعو إليه هنا كخطوة أولى هو النقل الجيد
القراءة التي تبدو سائدة في الثقافات العربية .وأعني
الواعي لا أكثر. بالقراءة هنا إعادة النظر في النصوص والمشاريع
وسأعرج متعج ًل هنا على آليتين تسمان عملية قراءة
المشروعات الفكرية العربية وتتسببان -ضمن جوقة الفكرية والثقافية بغرض تحليلها أو نقدها أو نقضها،
ثم البناء عليها بالاتفاق أو بالمخالفة أو بكليهما.
أوسع من الآليات -في إعاقات مستمرة لمحاولات المشكلة الرئيسة التي تحتاج إلى دراسة موسعة،
ليس ههنا موقعها ،هي أننا ثقافات تبدو عاجزة -إلا
بصورة اختزالية مسيّسة -عن قراءة أصولها الفكرية،